للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الياء بالياء، وذوات الواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا في مثل "الخبء" و"الدفء" و"الملء" فصار ذلك كله حجة، وحتى كره العلماء ترك أتباع المصحف من كره"١.

فابن فارس إذن من الذين رأوا أن العرب الجاهليين كانوا على علم بالعربية وبعروض الشعر، قبل أبي الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي. وأن فضل الرجلين على العلم، إنما هو في جمع علم الأوائل وتثبيته وتدوينه، وهو فضل لا ينتقصه عليهما منتقص. وهو استنتاج يتفق مع قواعد المنطق تمام الاتفاق. لأن من غير المعقول أن يضع إنسان قواعد لغة أو قواعد شعر، من غير أن يكون له علم سابق بأنواع الكلام وباختلاف الإقراء وبالأسس اللغوية والنحوية التي لا بد من تعلمها حتى يتمكن المرء من بناء قواعد أساسية عليها ومن حصر دائرة العلم والإحاطة بأغصان شجرة ذلك العلم، ويكاد يكون من المستحيل وضع قواعد العربية، أو علم العروض على النحو الذي يعرضه علينا علماء اللغة والشعر، من رجل لا علم مسبق له بقواعد اللغة وبأمور الشعر.

وفي خبر أن رسول الله دخل المسجد فرأى رجلا يحدث الناس بأنساب العرب وأيامها وبالأشعار، والعربية، فقال رسول الله: "ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه، وإنما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خلاها فهو فضل"٢. والأمور المذكورة هي مما كان يتحدث به أهل العلم والثقافة من الجاهليين. والشعر في طليعة تلك الموضوعات، ولا يراد به إنشاده فقط، بل كانوا ينشدونه ويذكرون المناسبات المتعلقة به ومزاياه وعيوبه، ولا أعتقد أن المراد بالعربية مجرد تفسير المفردات، بل كل ما يخصها من أمور. وفي جملة ذلك أخطاء القول، وقواعد العرب في القول.

ويذكر أهل الأخبار أن الذي حمل الخليل على وضع العروض، هو أنه مر بسوق الصفارين أو بحارة القصارين، فسمع الدق بأصوات مختلفة، فأعجبه، وقال: والله لأضعن على هذا المعنى علمًا غامضًا، فصنع هذا العروض على حدود


١ الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها "٣٨ وما بعدها".
٢ الكليني "١٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>