للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى قومه إياد يحذرهم فيها من مجيء جيش كسرى إليهم للإيقاع بهم، وذلك في قصيدته التي استهلها بقوله:

سلام في الصحيفة من لقيط ... إلى مَنْ بالجزيرة من إيادِ١

وتنفيه روايات أخرى تشير إلى أن العرب في صدر الإسلام، كانوا يدونون الشعر ويوزعونه بين الناس لينتشر بينهم، فلما هجا النجاشي الأنصار، اجتمع سادتهم وتذاكروا أمره، ثم ذهب قوم إلى حسان، فنظم شعرًا في هجائه، كتبه غلمان الكتاب٢، وما كانت الغاية من تدوين الغلمان له، إلا إذاعته ونشره بين الناس. وروي أن عبد الله بن الزبعري، وضرار بن الخطاب الفهري، قدما المدينة فتلاحيا مع حسان، في أمر الشعر، وقالا شعرًا مما كانا قالاه في الأنصار، وكان عمر قد نهى عن رواية شعر الهجاء حذر الفتنة، فغضب حسان منهما، وذهب إلى عمر، فأخبره بما وقع، فارسل وراءهما، وطلب من حسان أن ينشدهما مما قاله لهما، فأنشدهما، فلما انتهى من إنشاده كتب ذلك، وحفظ مع شعر الأنصار، وكانوا يكتبونه حذر بلاه٣. وروي أن طلحة أنشد قصيدة، فما زال شانقًا ناقته حتى كتبت له٤.

غير أننا إذا ما تتبعنا تأريخ ورود هذا الذي ذكرته عن وجود التدوين في الحيرة وارتفعنا به حتى نصل به إلى أصله، نجد أنه جاء كله نقلا، وقد أخذه المتأخرون عن المتقدمين، والمتقدمون عن طبقة أقدم، حتى نصل إلى مرجع واحد هو آخر سلسلة السند، الذي ينتهي بحماد الرَّاوِية وابن الكلبي. فحماد هو صاحب الزعم المتقدم، القائل إن النعمان بن المنذر، أمر فنسخت له أشعار العرب في الطنوج٥، وابن الكلبي هو صاحب الخبر القائل إن العرب علقت القصائد السبع على الكعبة، وإن العرب اخترتها من بين القصائد الجاهلية الكثيرة فوضعتها على أركان الكعبة، إعجابًا بها وإشادة بذكرها!


١ الشعر والشعراء "١/ ١٢٩"، الأغاني "٢٠/ ٢٣".
٢ مصادر الشعر الجاهلي "١٢٥".
٣ الأغاني "٤/ ١٤٠ وما بعدها".
٤ الزمخشري، الفائق "٦٧٧".
٥ المزهر "١/ ٢٤٩: "النوع الخامس عشر".

<<  <  ج: ص:  >  >>