للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-وهو ما يقع في الغالب- بحضور عدد آخر من الشعراء المحترفين للشعر: المتفننين فيه، فإذا هو لم يهيِّئ شعره من قبل ولم يعرضه على أحد ولم يتفنن فيه، ويأتي فيه بغرائب الفنون، ضاع شعره بين بقية الأشعار. فهو مضطر إذن على إعداد شعره إعدادًا حسنًا قبل إنشاده أمام الممدوح، وحكّه وتشذيبه لينال المكانة المرجوة بين بقية الشعر.

ونجد في شعر ينسب إلى امرئ القيس، يذكر فيه أن المعاني كانت تنثال عليه، فكان يعمل رأيه فيها، فيؤخر ويقدم، ويتخير ما يستجاد من غرر الأبيات:

أذود القوافي عني ذيادًا ... ذياد غلام جريء جرادا

فلما كثرن وعنينني ... تخيرت منهن ستًّا جيادا

فأعزل مرجانها جانبًا ... وآخذ من درها المستجادة١.

وقد نسب بعض الرواة هذه الأبيات إلى غيره.

ولا بد في شعر الهجاء من إعداد، ولا سيما في شعر الهجاء الذي يعد للرد على شاعر هجاء، أو على شعر هجاء سابق، إذ يجب في هذه الحالة إعداده بعناية لتحطيم الهاجي وإسقاطه وإخماله، ويستدعي ذلك عمل الروية فيه والتأمل طويلا، وإنشاد الشعر مرارًا وتَكْرارًا على الرواة والعارفين بالشعر لأخذ رأيهم فيه. وقد يزيدون عليه وقد ينقصون منه، فإذا رضي الشاعر عنه، وقنع به، أنشده أمام الناس، وقد يكون في المواسم ليسير بين القبائل، وقد يرسل مكتوبًا إلى من يهمهم الأمر ليصل إليهم ذلك الهجاء. وقد يكون الشاعر تميم بن مقبل تميم بن أُبيّ بن مقبل، قد عنى هذا المعنى في البيت المنسوب قوله إليه:

بني عامر، ما تأمرون بشاعر ... تخير بابات الكتاب هجائيا٢

وبابات الكتاب، سطوره وهو بيت لا يخلو من غموض، حتى إن علماء


١ ديوان امرئ القيس "٦٣".
٢ ديوان "ص٤١٠"، "الدكتور عزة حسن"، "تخير آيات"، العمدة "٢/ ١٦٧"، الحيوان "٧/ ١١٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>