للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاستخراج الصحيح منه من الفاسد، وتمكنوا قدر إمكانهم من ضبط بعض الفاسد المنحول ومن الإشارة إليه١. قال "ابن سلام: "وليس يشكل على أهل العلم زيادة ذلك، ولا ما وضع المولدون، وإنما عضل بهم، أن يقول الرجل من أهل البادية من ولد الشعراء، أو الرجل ليس من ولدهم فيشكل ذلك بعض الإشكال"٢.

وقد ذكروا أن قومًا تداولوا هذا الشعر المصنوع "من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء، وليس لأحد إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه أن يقبل من صحيفة ولا يروي عن صحفي"٣. فمقياس الصحة في نظرهم، هو الرواية والأخذ عن أهل البادية، وقول علماء الشعر في الشعر، أما الشعر المدون والمنقول من الصحف، فلا قيمة له، مع أن التدوين أصدق وأكثر صحة من النقل والرواية، وإذا كانوا قد خافوا التزوير في التدوين، فإن التزوير في الرواية لا يقل خطرًا عن التزوير في التدوين. وقد عدُّوا الصحفيين، قومًا لا علم لهم بالشعر، وإنما هم نقلة، يقرءون ما هو مكتوب، وليس في القراءة دليل على علم٤، وذلك لأنهم كانوا يصحفون في القراءة، ويلحنون، بينما الراوية الذي اعتمد على علمه وعلى حافظته وعلى ذوقه وطبعه، لا يصحف ولا يقع في اللحن، ولهذا قيل لهؤلاء الصحفيين المصحفين.

"قال خلاد بن زيد الباهلي لخلف بن حيان أبي محرز -وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله- بأي شيء ترد هذه الأشعار التي تروى؟ قال له: هل تعلم أنت منها ما أنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم. قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك؟ قال: نعم. قال: فلا تنكر أن يعرفوا من ذلك ما لا تعرفه أنت. وقال قائل لخلف: إذا سمعت أنا بالشعر واستحسنته فما أبالي ما قلت فيه أنت وأصحابك. فقال له: إذا أخذت أنت درهمًا فاستحسنته،


١ المُزْهِرُ "١/ ١٧١".
٢ طبقات "١٤".
٣ المُزْهِرُ "١/ ١٧١".
٤ المُزْهِرُ "١/ ١٧٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>