للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحطيئة من الملحفين في السؤال المستجدين الذين لا يخجلون من الاستجداء. فكان يلح في شعره بالطلب، ويحاول بكل الطرق جمع المال، حتى أهان نفسه، ولم يترك رجلا معروفا إلا ذهب إليه يسأله أن يعطيه مما عنده، فلما عين "عمر" "علقمة بن علاثة" على حوران، قصده "الحطيئة"، فوجده قد مات، فقال:

وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلا ليال قلائل١

فأعطاه ولده مائة ناقة مع أولادها.

وقد عاب "الأعشى" "علقمة بن علاثة"، بقوله:

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا٢

وقد وجد الصعاليك في الأغنياء البخلاء، هدفا صالحا لهم. فهؤلاء أصحاب مال، وهم أصحاب جوع، ولا بد للجوعان من أن يعيش، فلم يجدوا في مباغتة الأغنياء أي حرج يمنعهم من السطو على أموالهم، لأنها زائدة عليهم، وهم في حاجة إليها، وبذلك يضمنون لأنفسهم ولإخوانهم الجياع الصعاليك أسباب الحياة، فالحاجة عندهم تبرر الواسطة، وإذا امتنع إنسان على صعلوك وأبى تسليم ما عنده إليه، فهو لا يبالي من قتله، فالقتل ليس بشيء في نظره، منظره مألوف، والفقر ذاته قتل للإنسان، بل أشد فتكا به من القتل، والصعلوك نفسه لا يدري متى يقتل، فلا عجب إذا ما رأى القتل وكأنه شربة ماء.

وكان "أبو عبيدة"، لا يستأنس بسماع شعر الصعاليك، لأنهم فقراء، قال "أبو حاتم": "جئت أبا عبيدة يوما، ومعي شعر عروة بن الورد، فقال: فارغ حمل شعر فقير ليقرأه على فقير"٣، فهو من المحبين للأغنياء، وما الذي يجنيه من الفقراء! وكان "أبو مالك عمرو بن كركرة" البصري، مثل "أبي عبيدة" في الابتعاد عن الفقراء، بل كان أشد منه تعصبا عليهم،


١ الجمان في تشبيهات القرآن "٢٨٨".
٢ الجمان في تشبيهات القرآن "٢٥٩".
٣ أمالي المرتضى "١/ ٦٣٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>