للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمسند، بدليل عثور المستشرقين على كتابات عديدة في مواضع من اليمامة، مدونة بهذا القلم، وبلغة عربية جنوبية متأثرة بلهجات خاصة بعض التأثر، ولهذا فنحن تستطيع أن نقول إن كتابات اليمامة التي عثر عليها الآن والتي سيعثر عليها في المستقبل، تكون مجموعة فريدة مهمة من الكتابات الجاهلية وقد تكون جسرا بين العربية الجنوبية القحة، وبين اللغات العربية الشمالية، وقد تكون هذه الخصائص اللغوية الفريدة هي التي جعلت "ابن سلام" يقول في طبقاته: "ولا أعرف باليمامة شاعرا مشهورا"١، إذ سمع أن شعراء اليمامة كانوا يقولون الشعر بلهجاتهم التي تختلف عن اللهجة التي نظم بها شعراء مجموعة "أل" فأهمل لذلك شعرهم، أو أن شعرهم لكونه شعرا محليا خاصا، لم ينتشر خارج قبائل اليمامة، فلم يصل إلى علمه منه شيء، فقال لذلك قوله المذكور، ولم يعده من الشعر المألوف، الذي تعورف عليه بين علماء الشعر، ولما كان "الأعشى" والمرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، والمتلمس، قد نظموا الشعر باللهجة المألوفة، ولكونهم من المتنقلة الذين تنقلوا بين العرب، وقضوا أكثر أوقاتهم خارج اليمامة، لم يدخلهم لذلك في شعراء اليمامة، لا جهلا منه بأصلهم، وإنما لما بينته من أسباب.

ولعل لكثرة وجود العبيد والموالي بها دخل في هذا الباب، فاليمامة أرض خصبة ذات مياه، استقر أهلها وأقاموا في القرى وزرعوا واستعانوا بالموالي وبالعبيد وبأهل اليمن لاستغلال أرضهم، فصاروا من أصحاب الزارعة في جزيرة العرب، كما استغلوا معادنها، واستعانوا في استغلالها بالأعاجم، فذكر أنه كان في معدن "شمام" ألف أو يزيد من المجوس، لهم بيت نار٢. ولعل "آل كرمان"، و "الأحمر" في الحرملية، هم من الأعاجم الذين كانوا قد ولجوا هذه المواضع للعمل بها قبل الإسلام٣، أضف إلى ذلك وجود عدد كبير آخر من الموالي في أكثر قرى اليمامة، شغلوا في الزراعة وفي استغلال المعادن وفي تصنيعها، وهي أمور يأنف منها الأعرابي ويزدريها. ولهذا قيل لهم أهل "ريف"، وقد وصفهم جرير بقوله:


١ طبقات "٧٠".
٢ الصفة "١٤٢".
٣ لغدة "٣٠٢ وما بعدها، ٣٥٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>