للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"يثرب" لقتل أهلها ابنا له بها، وهو مجمع على خرابها وقطع نخلها واستئصال أهلها وسبي الذرية، نزل بسفح "أحد" فاحتفر بها بئرا، عرفت بـ "بئر الملك"، ثم أرسل إلى أشرافها ليأتوه، فكان ممن أتاه "زيد بن ضبيعة" وابن عمه "زيد بن أمية بن عبيد"، وكانوا يسمون "الأزياد"، و"أحيحة بن الجلاح: فلما جاء رسول التبع، ذهب الأزياد إليه، وكان "أحيحة" له تابع من الجن أخبره أنه يريد قتلهم جميعا، وكان لا يقول إلا صوابا، فلما قابل التبع تحدث معه عن أمواله وعن أموال المدينة، ثم خرج من عنده ودخل خباءه، وكان "تبع" قد أوكل حراسا به، فشرب وقرض أبياتا مطلعها:

يشتاق قلبي إلى مليكة ... أمسي قريبا لمن يطالبها

وأمر قينته أن تغنيه حتى استغفل الحرس، ففر منهم إلى أطمة "الضحيان"، وقيل "المستظل"، فجرد الملك كتيبة عليه، ثم حاصر المدينة، فلم يتمكن منها، إذ اعتصم أهلها من الأوس والخزرج واليهود بأطمهم، ثم أقنعه "حبران" من أحبار يهود بكف الحصار عنها، فرجع١.

وكان "أحيحة" سيد الأوس في الجاهلية، وكان كثير المال شحيحا عليه يبيع بيع الربا بالمدينة، حتى كاد يحيط بأموالهم، وكان له تسع وتسعون بعيرا كلها ينطح عليه، وكان له أطمان، أطم في قومه يقال له "المستظل"، وأطم يقال له "الضحيان" بالعصبة في أرضه التي يقال لها الغابة، بناه بحجارة سود، ويزعمون أنه لما بناه هو وغلام له أشرف، ثم قال: لقد بنيت حصنا حصينا ما بنى مثله رجل من العرب أمنع منه، ولقد عرفت موضع حجر منه لو نزع وقع جميعا. فقال غلامه: أنا أعرفه قال: فأرنيه يا بني؟ قال: هو ذا، وصرف إليه رأسه. فلما رأى أحيحة أنه قد عرفه دفعه من رأس الأطم، فوقع على رأسه فمات٢. وهي قصة تشبه قصة "سنمار"، ولها شبه عند اليونان. ويذكرون أنه لما بناه قال:

بنيت بعد مستظل ضاحيا ... بنيته بعصبة من ماليا


١ الخزانة "٢/ ٢١ وما بعدها"، "بولاق"، الأغاني "١٣/ ١١٩".
٢ الخزانة "٢/ ٢٣"، "بولاق".

<<  <  ج: ص:  >  >>