للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعر "عدي بن زيد" وأضرابه إلى معان دينية، وإلى إشارات إلى بعض معالم نصرانية. أما فلسفة نصرانية، أو حديث عن التثليث أو عن العقائد النصرانية الأساسية التي تميز النصراني المتدين عن غيره، فلا تجد لها ولا لأمثالها موضعا في هذا الشعر. نعم لقد تطرق "عدي بن زيد"، وكذلك الأعشى إلى قصص مستمد من أصول نصرانية، كما تطرق إلى أعياد نصرانية، ولكننا نجد في شعر غيرهم إشارات إلى الأديرة والكنائس والرهبان والرهبنة ومصطلحات نصرانية وأشياء أخرى عرفوها من احتكاكهم بالنصارى، ومن سماعهم شيئا عن النصرانية من النصارى العرب، تجعل من الصعب على الباحث أن يجد فرقا كبيرا بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين. ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى أن من الصعب التحدث عن وجود نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام١.

ومن النصارى "العباد"، وهم عرب تنصروا، ولم يكونوا من قبيلة واحدة، وإنما كانوا من مختلف العرب. ولفظة "العباد" لفظة خصصت بنصارى الحيرة خاصة. ويذكر في الحديث المسند: "أبعد الناس عن الإسلام: الروم والعباد"٢. ويظهر أن مرد ذلك، هو أن الروم والعباد، كانوا أصحاب ديانة ورجال دين ومؤسسات دينية منظمة، ومدارس، وثقافة، فكان من الصعب عليهم وكلهم نصارى، نبذ دينهم والدخول في الإسلام، لاعلى نحو العرب الوثنيين، الذين لم تكن لهم كتب دينية، ولا منظمات دينية، وكل ما كان عندهم عرف وعادات وتمسك بأصنام جبلوا على عبادتها، ولهذا كان تحولهم عنها أسهل من تحول العباد عن دينهم. وفي جملة "العباد" "بنو امرئ القيس بن زيد مناة" وإليهم ينسب "عدي بن زيد"٣.

وقد أدخل "كارلو نالينو" "أبا دؤاد" الإيادي في عداد الشعراء النصارى٤،


١ George Graf, Geschichte der Christlichn Arabischen Literatur, I, S. ٣٢, Siegmund Frankel, Die Aramaischen Fremdworter im Arabischen, Leiden, ١٨٨٦, S. ٢٦٧, Tor Andrae, Der Hrsprung der Islams, S. ٣٢. ff
٢ الروض الأنف "١/ ٥٣".
٣ سيرة ابن هشام "١/ ٥٣"، "حاشية على الروض الأنف"، الروض الأنف "١/ ٥٣".
٤ كارلو نالينو "٨٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>