للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين الذي استولى عليه وهو في سن الشيخوخة، بحيث صيره يشعر بوجوب الانصراف نحو العبادة وحفظ ودراسة كتاب الله، ومع ذلك فهناك روايات روت أن معظم شعره الذي فيه تدين وزهد وحث على العمل الصالح، هو شعر قاله في الإسلام، وأن ما زعم من أنه ترك الشعر، وانكب كلية على قراءة القرآن زعم غير صحيح.

وأما إعراض "بشار بن عدي بن عمرو بن سيود" الطائي عن الشعر، فيظهر أنه عن وازع نفسي ديني، حمله على التفرغ لدراسة كتاب الله، وعلى الزهد، وقد يكون ذلك بسبب تقدمه في السن. وفي تركه الشعر يقول:

تركت الشعر واستبدلت منه ... كتاب الله ليس له شريك

وودعت المدامة والندامى ... إذا داعى منادي الصبح ديك١

وأما إعراض "مالك بن عمير" السلمي عن الشعر٢، فهو حادث فردي كذلك، لا يعلم مبلغ درجته من الصحة، ومع ذلك، فإن كل من ترك الشعر من الشعراء لا يصل عددهم إلى عشرة، وهم قلة بالنسبة إلى عدد الشعراء المخضرمين الذين استمروا في نظمه في الإسلام.

وأما ما قالوه عن الضعف الذي ألم بشعر "حسان" الذي قاله في الإسلام، وعن متانة شعره وجزالته في الجاهلية، فلا يعقل إرجاع سببه إلى الإسلام، فقد اتخذ الرسول "حسانا" شاعرا له، يجبُّ عنه وعن الإسلام المشركين، كما شجع غيره في الرد على شعراء الشرك، وكان الرسول يستصوب الشعر الصلد الجزل المتين ذا المعاني الجيدة العميقة، ومصدر ضعف "حسان" في شعره في الإسلام، هو بسبب تقدمه في السن، والتقدم في السن -كماسبق أن قلت- يضعف المواهب، ومنها الشاعرية، ويخمل العواطف، فقد كان حسان في جاهليته شابا ورجلا، قوي الجسم ككل رجل، متقيد الحس، متألق الحس، متألق العاطفة، ذا شاعرية حساسة ثائرة، يشرب ويلهو ويسمع الغناء ويحضر مجالس الطرب، فلما جاء الإسلام، ودخل فيه مع من دخل، كان قد تقدم في السن،


١ الإصابة "١/ ١٧٤"، "رقم ٧٦٧".
٢ الإصابة "٣/ ٣٣١"، "رقم ٧٦٧٢"

<<  <  ج: ص:  >  >>