للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْآخر يطعم فَمَا بَقَّيَا لَك، فَأرْسل إِلَيْهِمَا: إنَّكُمَا تريدان أَن ترفعا رايةً قَدْ وَضعهَا اللَّه، ففرقا مَنْ قِبَلكما من مُرَّاقِ الْعرَاق، فَقَالَ عَبْد اللَّه: أَي الرجلَيْن نطردُ عَنَّا؟ أقابس عَلَمُ أم طَالِب نَيْلُ، وَبلغ الْخَبَر أَبَا الطُّفَيْل، فَقَالَ:

لَا درَّ دَرُّ اللَّيَالِي كَيْفَ يُضحِكُنا ... مِنْهَا عجائبُ أنباءٍ وتُبكينا

مثل مَا تَحِدثُ الْأَيَّام من عجبٍ ... وَابْن الزُّبَيْر عَنِ الدُّنْيَا يُلَهِّينا

كُنَّا نَجيء ابْن عباسٍ فيُقْبِسنا ... علما ويُكسْبنا أجرا ويَهدينا

وَلَا يزالُ عُبَيْد اللَّه مُتَرْعةً ... جِفَانُه مُطْعِمًا ضَيفًا وَمِسْكينًا

فالدِّينُ وَالْعلم وَالدُّنْيَا ببابهما ... ننالُ مِنْهَا الَّذِي شِئْنَا إِذَا شينا

فَفِيمَ تَمْنَعنا مِنْهُم وتَمْنَعُهم ... منا وتؤذيهم فِينَا وتُؤْذينا

إِن الرَّسُول هُوَ النُّور الَّذِي كشفت ... بِهِ عَمَايَةُ ماضينا وبَاقِينا

وأهلُه عصمةٌ فِي ديننَا وَلَهُم ... حقٌّ عَلَيْنَا وحقٌّ وَاجِب فِينَا

ولستَ فاعلمْ بالأوْلَى بِهِ نَسَبَا ... يَا بن الزُّبَيْر وَلَا الأوْلَى بِهِ دِينا

لن يَجْزِيَ اللَّه من أجْزى لبُغضهم ... فِي الدِّين عِزًّا وَلَا فِي الأَرْض تَمْكِينا

زواج شُرَحْبِيل بْن الْحَارِث الغساني

من مية بنت عَمْرو ثمَّ تطليقه لَهَا بِأَمْر أَبِيهِ

حَدَّثَنَا ابْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بْن سَعِيد، عَنْ مُحَمَّد بْن عَبّاد، عَنِ ابْن الْكَلْبِيّ، قَالَ: قدم شُرَحْبِيل بْن الْحَارِث الغسّاني - وَكَانَ من أهل بَيت الْملك - موسمًا من مواسم الْعَرَب، وَحَضَرت ذَلِكَ الْعَام بَكْر بْن وَائِل، فَخَطب شرحبيلُ مَيَّة بْنت عَمْرو بْن مَسْعُود بْن عَامر بْن عَمْرو ابْن أبي ربيعَة بْن ذُهل بن شَيبَان وَهُوَ أَصمّ بني ربيعَة، فَقَالَ لَهُ أَبوهَا: هِيَ لَك وقومها بِيَدِك، فوَاللَّه مَا فِي غَسَّان ملك أحبّ إليَّ صهرًا مِنْك، فأنكحه إِيَّاهَا، فاحتملها شُرَحْبِيل إِلَى أَبِيه الْحَارِث بْن مرّة، فَكَانَت مَعَهم وانقطعت إِلَيْهِم بَكْر بْن وَائِل وَذَلِكَ فِي أيّام الطوائف قبل ملك بني نصر بِالْحيرَةِ، فَبينا هُوَ نَائِم ذَات لَيْلَة هِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ، إِذْ أقبل أسودُ سالخ يهوى إِلَى الْفَتى فاتحًا فَاه والسِّراج تُزهر، حَتَّى إِذَا أَهْوى إِلَيْهِ أخذت بحلقه فخنقته حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ جعلتْه بَيْنَ أثْنَاء الْفراش، وَكَانَ أَبُوهُ إِذَا أصبح غَدا عَلَيْهِ هُوَ وَأمه تَعْظِيمًا لَهُ، ثُمَّ يَأْتِيهِ النّاس فيسلمون عَلَيْهِ فَلَمّا اجْتمع النّاس أهوت إِلَى الْأسود فأخرجتْه مَيتا، فذعر الشَّيْخ فَقَالَ: من قتل هَذَا؟ فَقَالَت: أَنَا قتلتُه وَلَو كَانَ أشدّ مِنْهُ لقتلته، فَقَالَ: يَا شُرَحْبِيل خلِّ عَنْهَا، فَهِيَ - وأبيها - للرِّجَال أقتل، فكره شُرَحْبِيل أَن يَعْصِي أَبَاهُ فَسَار بهَا وبمالها حَتَّى إِذَا دنا من أَرض بَكْر بْن وَائِل بعث مَعهَا من يُلحقها

<<  <   >  >>