للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَتزوجها تولّى العقدَ لَهُ عَلَيْهَا الْحَاكِم، وَرَأَيْت أَبَا جَعْفَر شَيخنَا رَحمَه اللَّه قَدْ أفتى بِهَذَا فِي مسَائِله، وَالْقَوْل الأوّل أولى بِالْحَقِّ عِنْدِي وأشبه بقوله، وَبَيَان هَذَا الْبَاب وَشَرحه مستقصًى فِيمَا رسمناه من كتبنَا فِي الْفِقْه، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.

عمَّة مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عِيسَى تستشفع لَهُ لَدَى المعتضد

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: كَانَ مَعَ المعتضد أعرابيٌّ فصيح يُقَالُ لَهُ شعلة بْن شهَاب الْيَشْكُرِي، وَكَانَ يأنس بِهِ فَأرْسلهُ إِلَى مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن شيخ وَكَانَ عَارِفًا بِهِ ليرغّبه فِي الطَّاعَة ويُحَذره الْعِصْيَان ويرفق بِهِ، فَقَالَ شعلة بْن شهَاب فصرت إِلَيْهِ فخاطبته أقرب خطاب فَلم يجبني، فوجهت إِلَى عمته أم الشريف فصرت إِلَيْهَا فَقَالَت: يَا أَبَا شهَاب! كَيْفَ خلفت أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقلت: خلفتهُ وَالله أمارًا بِالْمَعْرُوفِ فَعّالا للخير، متعزّزًا عَلَى الْبَاطِل متذلِّلا للحقّ، لَا تَأْخُذهُ فِي اللَّه لومة لائم، فَقَالَت لي: أهل ذَلِك هُوَ مُسْتَحقّه ومستوجبهُ، وَكَيف لَا يكون كَذَلِك وَهُوَ ظلُّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمَمْدُود على بِلَاده، وخليفته عَلَى عباده، وأعزّ بِهِ دينه، وَأَحْيَا بِهِ سنُته، وَثبتت بِهِ شرائعه، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا شهَاب فَكيف رَأَيْت صاحبنا؟ قلت: رَأَيْت حَدَثًا معجبًا قَد استحوذ عَلَيْهِ السُّفَهَاء واستبدّ بآرائهم وأنصت لأفواههم، يزخْرفون لَهُ الْكَذِب ويُوردونه النَّدَم، فَقَالَت: هَلْ لَك أَن ترجع إِلَيْهِ بكتابي قَبْلَ لِقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ، فلعلك تَحُلُّ عقدةَ السُّفَهَاء؟ قَالَ: قلت: أَجلْ، فَكتبت إِلَيْهِ كتابا حسنا لطيفاً معجبًا أجزلتْ فِيهِ الموعظة وأخلصت فِيهِ النَّصِيحَة بِهذه الأبيات:

اقبل نصيحةَ أُمٍّ قلبُها وَجِلٌ ... عَلَيْكَ خوفًا وإشفاقاً وَقل سدداً

وَاسْتعْمل الْفِكر فِي قولي فَإنَّك إنْ ... فكّرتَ ألفيتَ فِي قولي لَك الرَّشَدا

وَلَا تثق بِرِجَال فِي قلوبهمُ ... ضغائن تبعثُ الشنآن والحَسَدا

مثل النعاج خمولا فِي بُيُوتهم ... حَتَّى إِذَا أمنُوا ألفيتَهم أسْدا

وداوِ داءك والأدواء مُمكنَة ... وَإِذ طبيبك قَدْ ألْقى إِلَيْكَ يَدَا

أعْط الْخَلِيفَة مَا يَرْضِيه مِنْك وَلَا ... تمْنعه مَالا وَلَا أَهلا وَلَا ولدا

وارددْ أَخا يشْكر ردًّا يكونُ لَهُ ... رِدْءا من السوءِ لَا تُشْمِتْ بِهِ أحدَا

قَالَ: فَأخذت الكتابَ وصرت بِهِ إِلَى مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عِيسَى، فَلَمّا نظر فِيهِ رمى بِهِ إليَّ ثُمَّ قَالَ: يَا أَخا يشْكر مَا بآراء النِّسَاء تتمُّ الْأُمُور، وَلَا بعقولهنّ يُسَاسُ الْملك، ارْجع إِلَى صَاحبك. فَرَجَعت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَخْبَرته الْخَبَر عَلَى حقِّه وَصدقه، فَقَالَ: وَأَيْنَ كتابُ أم الشريف؟ فدفعتُه إِلَيْهِ فقرأه وَأَعْجَبهُ شعرهَا، ثُمَّ قَالَ: وَالله إِنِّي لأرج أَن أشفّعها فِي كثير من الْقَوْم، فَلَمّا كَانَ من فتح آمد مَا كَانَ، أرسل المعتضد فَقَالَ: يَا شُعلة! هَلْ عِنْدَك عَلَمُ من أم الشريف؟ قَالَ: قلت لَا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: فَامْضِ مَعَ هَذَا الْخَادِم فَإنَّك

<<  <   >  >>