للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خفِيا، فَقَالَ لَهُ هَارُون: أَتَدْرِي لَمْ دعوتُك؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إِن أَهْلَ بلدك طلبُوا مني قَاضِيا وَأَنَّهُمْ سَمّوْك لي فِيمَن سَمّوْا، وَقد رَأَيْت أَن أشركك فِي أمانتي وأدخلك فِي صَالح مَا أَدخل فِيهِ من أَمر هَذِهِ الْأمة، فَخذ عَهْدَكَ وامض، فَقَالَ لَهُ ابْن إِدْرِيس: لستُ أصلح للْقَضَاء، فنكث هَارُون بإصبعه وَقَالَ لَهُ: وددت أَنِّي لَمْ أكن مَثَلْتُك، قَالَ لَهُ ابْن إِدْرِيس: وَأَنا وددتُ أَنِّي لَمْ أكن رأيتُك، فَخرج ثُمَّ دَخَلَ حَفْص بْن غياث، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لَنَا، فَقبل عَهده وَخرج، فَأَتَانَا خَادِم مَعَه ثَلَاثَة أكياس فِي كلّ كيس خَمْسَة آلَاف دِينَار، فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقرئكم السّلام وَيَقُول لَكُمْ: قَدْ لزمتكم مؤونة فِي شخوصكم فاستعينوا بِهَذِهِ فِي سفرتكم، قَالَ وَكِيع: أَقْرئ أَمِير الْمُؤمنِينَ السّلام وقُل: قَد وَقَعَتْ مني بِحَيْثُ يحبُّ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَنا عَنْهَا مُسْتَغْنٍ، وَفِي رعية أَمِير الْمُؤمنِينَ من هُوَ أحْوج إِلَيْهَا مني، فَإِن رَأَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يصرفهَا إِلَى من أحبّ، وأمّا ابْن إِدْرِيس فصاح بِهِ: مُرَّ من هَا هُنَا وَقبلهَا حَفْص، وَخرجت الرّقعة إِلَى ابْن إِدْرِيس من بَيْننَا، عَافَانَا الله وَإِيَّاك سألناك أَن تدخل فِي أَعمالنَا فَلم تفعل، ووصلناك من أَمْوَالنَا فَلم تقبل، فَإِذا جَاءَك ابْني الْمَأْمُون فحَدثّه إِن شَاءَ اللَّه، فَقَالَ للرسول: إِذَا جَاءَ مَعَ الْجَمَاعَة حَدَّثْنَا إِن شَاءَ اللَّه، ثُمَّ مَضَيْنا، فَلَمّا صرنا إِلَى الياسرية حضرت الصَّلاة فنزلنا نَتَوَضَّأ للصَّلَاة، قَالَ وَكِيع: فنظرتُ إِلَى شُرَطيِّ مَحْمُوم نَائِم فِي الشَّمْس عَلَيْهِ سوَاده فطرحت كسائي عَلَيْهِ، وَقلت: تدفأ إِلَى أَن نَتَوَضَّأ، فجَاء ابْن إِدْرِيس فاستلبه ثُمّ قَالَ: رَحمته لَا رَحِمك اللَّه، فِي الدُّنْيَا أحد رحم مثل ذَا؟ ثُمَّ الْتفت إِلَى حَفْص وَقَالَ: قَدْ علمتُ حِين دخلت إِلَى سُوق أَسد فخضبتَ لِحْيتك وَدخلت الحَمّام أنَّكَ سَتَلي الْقَضَاء، وَلَا وَالله لَا كلَمتُك حَتَّى تَمُوت، فَمَا كلَمه حَتَّى مَاتَ.

الْمَأْمُون يتركُ جَارِيَته الحبيبة إِلَى بِلَاد الرّوم

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مَالك النَّحْويّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يحيى بْن أبي حَمَّاد الموكبي، عَنْ أَبِيه، قَالَ: لمّا وصفت لِلْمَأْمُونِ جَارِيَة بِكُل مَا تُوصَف بِهِ امْرَأَة من الْكَمَال وَالْجمال، فَبعث فِي شِرَائهَا فَأتى بهَا وَقت خُرُوجه إِلَى بِلَاد الرّوم، فَلَمّا هَمّ بِلبْس درعه خطرت بِبَالِهِ فَأمر فأخرجت إِلَيْهِ، فَلَمّا نظر إِلَيْهَا أعجب بهَا وأعجبت بِهِ، فَقَالَت: مَا هَذَا: قَالَ: أُرِيد الْخُرُوج إِلَى بِلَاد الرّوم. قَالَتْ: قَتَلتنِي وَالله يَا سَيِّدي، وجَرَتْ دموعها عَلَى خدها كنظَم اللُّؤْلُؤ، وأنشأت تَقول:

سأدْعُو دَعْوَة الْمُضْطَر رَبًّا ... يُثيبُ عَلَى الدُّعَاء ويستجيب

لَعَلَّ الله أَن يَكْفِيك حَربًا ... ويجمعنا كَمَا تهوى الْقُلُوب

فضم الْمَأْمُون إِلَى صَدره وَأَنْشَأَ متمثلاُ يَقُول:

فيا حسنها إِ يَغْسِل الدمع كُحْلَها ... وَإِذ هِيَ تَذْري الدمْعَ مِنْهَا الأنامل

صَبِيحَة قَالَتْ فِي العتاب قَتَلْتني ... وقَتْلِي بِمَا قَالَتْ هُناك تحاولُ

ثُمَّ قَالَ لِخَادِمِهِ: يَا مسرور احتفظ بهَا وَأكْرم محلهَا وَأصْلح لَهَا كلّ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من

<<  <   >  >>