للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقاصير والخدم والجواري إِلَى وَقت رجوعي، فلولا مَا قَالَ الأخطل حِين يَقُولُ:

قومٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مآزرهم ... دُون النِّسَاء وَلَو بَاتَتْ بأطهارِ

ثُمَّ خَرَجَ فَلم يزل يتعهدها ويُصْلح مَا أُمِرَ بِهِ، فاعتلّت الْجَارِيَة عِلَّة شَدِيدَة أشْفق عَلَيْهَا مِنْهَا وَورد نعي الْمَأْمُون، فَلَمّا بلغَهَا ذَلِكَ تنفّستِ الصُّعداء وتُوفيت، وَكَانَ ممّا قَالَتْ وَهِي تُجودُ بِنَفسِهَا:

إِن الزَّمَان سقانا من مرارته ... بَعْدَ الْحَلَاوَة أنفاسًا فأروانا

أبدى لَنَا تَارَة فأضحكنا ... ثُمَّ انثنى تَارَة أُخْرَى فأبكانا

إِنَّا إِلَى اللَّه فِيمَا لَا يزَال لَنَا ... من الْقَضَاء وَمن تلوين دُنيانا

دُنيا نَراها تُرينا من تَصَرُّفها ... مَا لَا يدومُ مصافاةً وأحْزَانا

ونحنُ فِيهَا كأنّا لَا نُزَايلها ... للعيش أحياؤُنا يَبْكُونَ مَوْتانا

الْمجْلس السَّادِس عَشْر

حَدِيث مَا ذئبان جائعان فِي حَظِيرَة

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَبُو بَكْرِ بْن أَبِي خَيْثَمَة، قَالَ: حَدَّثَنَا قَحْطَبَةَ بْنُ الْعَلاءِ، قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ فِي حَظِيرَةٍ وَثِيقَةٍ يَأْكُلانِ وَيَفْتَرِسَانِ، بِأَضَرَّ فِيهَا مِنْ حُبِّ الْمَالِ وَالشَّرَفِ فِي دِينِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ ".

تَعْلِيق الْمُؤلف

قَالَ القَاضِي: هَذَا خبر صَحِيح مَشْهُور، قَدْ روينَاهُ من غَيْر وَجه، وَفِي جملَة أَلْفَاظه اخْتِلَاف فِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى، فِي بَعْضهَا: مَا ذئبان ضاريان، وَفِيه تنبيهٌ عَلَى أَن أَوْلى الْأُمُور بِالْمَرْءِ حِفْظُه دِينَه، وإشفاقُه من دخُول الْخلَل فِيهِ، فَإِن حب المَال والشرف وَالسَّعْي فِي اكتسابهما، والحرص عَلَى حيازتهما والانهماك فِي مسابقة أهلهما إِلَيْهِمَا، ومغالبته عَلَيْهِمَا، ممّا يُؤَدِّي إِلَى هدم الدِّين وتوهين أَرْكَانه، وطمس معالمه وَحط بُنْيَانه، مَعَ مَا فِيهِ من حمل الْمَرْء مِنْهُ على أَسبَاب الهلكة، وجده فِيمَا يورطه فِي حبائل الرذائل، وبُعده عَنْ شرِيف الْفَضَائِل، فقلّ من سلم مِمَّن وَصفنَا حَاله من الْبَغي والعدوان والحسد والطغيان، وَقد يحرم مَعَ هَذَا ممّا أمّل إِدْرَاكه، وطمع فِي بُلُوغه، فَحصل من الكد وَالْجد، والعناء والشقاء ولاستيلاء النحوس عَلَيْهِ وانحطاط الْجد، فنسأل الله تعلى توفير حَظِّنا من رَحمته وعصمته، وَأَن يتمم مَا ابتدأنا بِهِ من نعْمَته، فَلَقَد هلك من هلك من النّاس فِي ركوبهم مَا حذَّر مِنْهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأوضح الْبَيَان عَنْهُ.

وَقد ذَكَرَ عَنِ الْحجَّاج بْن أَرْطَاة وَكَانَ من المَشْهورين بالفقه وَالْقَضَاء وَالرِّوَايَة

<<  <   >  >>