للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَا ذنبَ إِن كَانَ ذَا جُنُونا ... كَذَا أَرَادَ اللَّه أَن أكونا

وَانْطَلق يَقُولُ الشّعْر واشتهر بِهِ وبإحسانه فِيهِ.

يَقُولُ شعرًا وَهُوَ لَا يدْرِي

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَحْمُود الْكَاتِب، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُوس بْن مهْدي بالكرخ، قَالَ: نزلت على ابْن أبي الْبَغْل عِنْدَ تقلده الإشراف عَلَى أَعمال الْجَبَل، فزارته مغنيةٌ كَانَ بهَا لَهِجًا عَلَى قِلَّة إعجابه بِالنسَاء، فَإنّا لَلَيْلةٌ وَنَحْنُ قُعُودٌ بِالْبُسْتَانِ نَشْرَبُ وَقَدْ طَلَعَ الْقَمَرُ، فَهَبَّتْ رِيحٌ عَظِيمَةٌ فَقَلَبَتْ صَوَانِيَنَا الَّتِي كَانَ فِيهَا شَرَابُنَا فَشِيلَتْ وَأَقْبَلَ الْغِلْمَانُ يَسْقُونَنَا، فَسَكِرَ ابْن أبي الْبَغْل عَلَى ضَعْفِ شُربه، وَقَامَ إِلَى مرقده وأخَذَنَا مَعَه والمغنية، فَلَمّا حصلنا فِيهِ استدعى قدحًا وَلنَا مثله، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

مغموسةٌ فِي الْحُسَن معشوقةٌ ... تقتلُ ذَا الصَّبِّ وتُحْيِيهِ

باتَ يُرِينِيهَا هِلالُ الدُّجَى ... حَتَّى إِذَا غَاب أَرتْنِيهِ

وَطرح الشّعْر عَلَى الْمُغنيَة فلقنته وغنتنا بِهِ، وشربنا الْقدح وانصرفنا، فَلَمّا كَانَ من غدٍ وحضرنا الْمَائِدَة وَهِي مَعَنَا فاتحناه بِمَا كَانَ مِنْهُ، فَحلف أَنَّهُ لَمْ يعقل بِمَا جرى وَلَا بالشعر، واستدعى دفتره فَأثْبت الْبَيْتَيْنِ فِيهِ.

طَرَأَ الواغل برغم هروبهم إِلَى الصَّحرَاء

حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بحرمي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عبد الرَّحْمَن الْبَصْرِيّ وَيعرف بالمخضوب، بِمَكَّة سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدثنِي ابْن عَائِشَة: أنَّ ثَلَاثَة فتيَان من فتيَان أَهْلَ الْبَصْرَة وَكَانُوا يتنادمون، فتطربوا يَوْمَا إِلَى الصَّحرَاء وَالْخلْوَة فِيهَا مِمَّن يَغُلُّ عَلَيْهِمْ فِي شرابهم ويَنْبذ عَلَيْهِمْ، فَخَرجُوا فِي غِبِّ مطرٍ إِلَى ظهر الْبَصْرَة فَأخذُوا فِي شرابهم ولهوهم يتناشدون حَتَّى كَرُبَت الشَّمْسُ أَن تغيب، فَإِذا بأعرابي كالنجم المنقض يهوى حَتَّى جلس بَينهم، فَقَالَ بَعضهم لبَعض: قَدْ علمنَا أنَّ مثل هَذَا الْيَوْم لَا يتم لَنَا ثُمَّ قَالَ لَهُ أحدهم:

أيُّهَا الواغلُ الثقيلُ عَلَيْنَا ... حِين طَابَ الحديثُ لِي ولِصَحْبي

ثُمَّ قَالَ الآخر:

خَلِّ عَنَّا فَأَنت أثقل والل ... هـ عَلَيْنَا من فَرْسَخَيْ دِيرِ كَعْبِ

ثُمَّ قَالَ الثَّالِث:

ومِن النّاس من يَخِفُّ ومنْهُمْ ... كَرَحَى البَزْرِ رُكِّبَتْ فَوق قَلْبِي

فَقَالَ الأَعْرَابِي:

لست بالبارح العشية والل ... هـ لشجٍّ وَلَا لِشِدَّة ضَرْبِ

أَوْ ترَوْنَ بالْكِبَار مُشَاشي ... وتُعِلُّون بَعْدَ ذَاكَ بقَعْبِ

<<  <   >  >>