للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَعَالَى أملي أَن أمتحنه، وَقد عزمت على أَن أَدْعُو غلامي طرخان الحريري وَهُوَ جيد الذِّرَاع، وَأَن يحضر لي صَخْرَة سَوْدَاء طولانية من حِجَارَة القصارين، وأتقدم إِلَيْهِ أَن يجمع يَدَيْهِ فِي السَّيْف ثُمَّ يضْرب بِهِ الرَّأْس الدَّقِيق من الصَّخْرَة، فَإِن سلم سلم وَإِن يقطع يقطع، قَالَ: فَلم نزل نطلب إِلَيْهِ ونسأله إعفاء السَّيْف من المحنة ونقول: شرفٌ من شَرَف الْعَرَب وَسيف لَا يُوجد مثله، فَأبى ودعا غُلَامه طرخان وأحضر الصَّخْرَة، قَالَ أَحْمَد، قَالَ أبي: فَقلت لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! فَإِذا لَمْ تُطِعْنِي فاعمل لَهُ حَدِيثا يبْقى على الدَّهْر، يدْخل من بِالْبَابِ من الشُّعَرَاء حَتَّى يحضروا السَّيْف ومحنته، فَإِن سلم وصفوه وَإِن يقطع رثوه، فَأمر بإحضار الشُّعَرَاء، وَكَانَ بِالْبَابِ مِنْهُم أَبُو الهول وَأَبُو الغول التَّمِيمِي وَسلم الخاسر، فَقيل لَهُم: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ أحْضركُم لمحنة هَذَا السَّيْف فَمن أحسن الْوَصْف لَهُ وَالْقَوْل فِيهِ فصلته عشرَة آلَاف دِرْهَم وخلعة وحملان، ثمَّ أحضر طرخان وَالسيف بَين يَدي مُوسَى، فحسر عَنْ ذِرَاعَيْهِ وهزّه وَجمع يَدَيْهِ فِي قَائِمَة ثُمَّ ضَرَب بِهِ الصَّخْرَة فَمضى فها باترًا لَهَا وَلم يصبهُ شَيْءٍ، فَأَما أَبُو الهول فَلم يصف شَيئًا، وأمّا سلم فَلم يرض مَا قَالَ، وأمّا أَبُو الغول فوصف فَأحْسن وَأخذ الصِّلَة عشرَة آلَاف دِرْهَم والْحُملان وَالْخلْع وَانْصَرف، وَأمر لأبي الهول وَسلم الخاسر بِخَمْسَة آلَاف خَمْسَة آلَاف وانصرفا، فَكَانَ الشّعْر لأبي الغول حَيْثُ يَقُولُ:

حَازَ صمصامة الزَّبِيديّ من بِي ... ن جَمِيع الْأَنَام مُوسَى الْأمين

سيف عَمْرو وَكَانَ فِيمَا علمنَا ... خيرُ مَا أغمدتْ عَلَيْهِ الجفون

أَخْضَر اللَّوْن بَيْنَ حَدَّيْه بردٌ ... من رياحٍ تَمِيسُ فِيهِ المَنُون

أوقدتْ فَوْقه الصَّوَاعِق نَارا ... ثُمَّ شابته بالزُّعاف القيون

فَإِذا مَا سللته بهر الشم ... س ضِيَاء فَلم تكد تَسْتَبِين

مَا يُبَالِي إِذَا الضّريبة حانت ... أشمالٌ سَطَتْ بِهِ أم يَمِينُ

نتيجةُ الرِّفْق ونتيجة التعذيب

حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْمَرْزُبَان النَّحْويّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عليّ بْن جَعْفَر بْن بنان المخزمي، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة، قَالَ: حَدَّثَنِي عليّ بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِي، عَنْ أبي المضرحي، قَالَ: أَمر الْحجَّاج مُحَمَّد بْن الْمُنْتَشِر بْن أخي مَسْرُوق بْن الأجدع أَن يَعذِّبَ أزْدَاد مَرْذ بْن الهربز، فَقَالَ أزداد مرذ: يَا مُحَمَّد! إِن لَك شرفًا قَدِيما، وَإِن مثلي لَا يعْطى عَلَى الذُّلِّ شَيئًا، فاستأد وارفق بِي، فاستأدى فِي جُمُعَة ثَلَاثمِائَة ألف، فَغَضب الحَجَّاج وَأمر معبدًا صَاحب الْعَذَاب أَن يعذبه فدق يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَلم يعطهم شَيئًا، قَالَ: فَإِنِّي لأسير بَعْدَ ثَلَاثَة أيّام إِذ أَنَا بأزداد مرذ مُعْتَرضًا عَلَى بغل قَدْ دُقّتْ يَدَاهُ وَرجلَاهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد! فَكرِهت أَن آتيه فَيبلغ الحَجَّاج، وتذممت من تَركه إِذْ دَعَاني، فدنوتُ مِنْهُ فَقتل: حَاجَتك؟ فَقَالَ: إِنَّك قَدْ

<<  <   >  >>