للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَدخل كُثير وَكَانَ دميمًا حَقِيرًا تَزْدَريه الْعين فسلّم بالخلافة، فَقَالَ عَبْد الْملك: تَسْمَع بالْمُعَيْديِّ خيرٌ من أَن ترَاهُ، فَقَالَ كثير: مهلا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَإِنَّمَا الرَّجُل بأصغريه - قَالَ القَاضِي: الْعَرَب تَقول: تسمع بالمعيديِّ لَا أَن ترَاهُ، وَأَن تسمع بالمعيدي خَير من أَن ترَاهُ، وَهُوَ مَثَلٌ سَائِر - بِلِسَانِهِ وَقَلبه، فَإِن نَطَق نَطَقَ بِبَيَان، وَإِن قَاتل قَاتل بحنان، وَأَنا الَّذِي أَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ:

وَجَرَّبْتُ الأمورَ وَجَرَّبَتْنِي ... فقد أبدتْ عَريكَتي الأمُورُ

وَمَا يَخْفَ الرِّجَالُ عَلَيَّ إِنِّي ... بِهِم لأخُو مُثَاقَبَة خَبِيرُ

تَرى الرَّجُل النّحيفَ فتزدريه ... وَفِي أثوابه أسدٌ يَزِيرُ

ويُعْجِبكَ الطّرِيرُ فتبتليه ... فيُخْلِفُ ظَنّكَ الرَّجُل الطّريرُ

وَمَا عِظَمُ الرِّجَال لَهُمْ بِزَيْنٍ ... وَلَكِن زَيْنُهَا كَرَمٌ وخيرُ

بُغَاثُ الطّيْر أطْوَلُها جُسُومًا ... وَلم تَطِلِ الْبُزَاةُ وَلَا الصُّقُورُ

وروى

بغاث الطّير أَكْثَرهَا فِرَاخًا ... وأمُّ الصَّقْر مِقْلاتٌ نَزُور

وَفِي بغاث الطير لُغَتَانِ: بَغَاث وبِغَاث بِالْفَتْح وَالْكَسْر، فَأَما الضَّم فخطأ عِنْدَ أَهْلَ الْعلم باللغة، فقد أجَاز بَعضهم الضَّم، والمقلات الَّتِي لَا يعِيش لَهَا وُلِدَ، والقلت بِفَتْح اللَّام: الْهَلَاك، وَمن ذَلِكَ مَا روى عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الْمُسَافر وَمَا مَعَه عَلَى قَلَتٍ إِلَّا مَا وَقَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَمِنْه قَول الشَّاعِر

فَلم أر كالتّجْمِيرِ مَنْظَرَ نَاظِرٍ ... وَلَا كَلَيَالِي الحَجِّ أقْلَتْن ذَا هَوَى

ويروى: أفلتن بِالْفَاءِ، فَأَما القلت بِسُكُون اللَّام: فالنقرة فِي الْجَبَل أَو الْحجر يجْتَمع فِيهَا المَاء، تجمع قلات، قَالَ الشَّاعِر:

كأنَّ عَيْنَيْهِ من الْغُئُورِ ... قَلَتَان فِي جَوْف صَفًا مَنْقُورِ

ثُمَّ رَجعْنَا إِلَى شعر كُثَيِّر:

لَقَدْ عَظُم البَعِير بِغَيْر لُبٍّ ... فَلَم يَسْتَغْنِ بالْعِظَمِ البَعِيرُ

فيركب ثُمَّ يضْرب بالهراوى ... فَلا عُرْفٌ لَدَيْهِ وَلَا نَكِيرٌ

قَالَ القَاضِي فيروى:

يُجَرِّرهُ الصَّبِيُّ بكلِّ سَهْبٍ ... ويَحْبِسهُ عَلَى الْخَسْف الْجَرِير

قَالَ القَاضِي: الْجَرِير: الْحَبل، وَبِه سمي الرَّجُل: قَالَ الشَّاعِر:

يرى فِي كف صَاحبه خَلاء ... فيُفْزِعهُ ويُجْبِنُه الجريرُ

<<  <   >  >>