للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَالَ الآخر:

لَعَمْرُك لَوْلَا البينُ لانقطع الْهوى ... وَلَوْلَا الهَوَى مَا حَنَّ للبينِ آلفُ

وَمِمَّا أَتَى بِالرَّفْع فِي بَيْنَ بِالْفِعْلِ قَول الشَّاعِر:

إِذَا هِيَ قامتْ تَقْشعرُّ شُواتُها ... ويُشْرِقُ بَيْنَ اللّيْتِ مِنْهَا إِلَى الصُّقْلِ

وَقَد اخْتلفت الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَول اللَّه تَعَالَى: " لَقَدْ تقطع بَيْنكُم "، فَقَرَأَ ذَلِكَ كثيرٌ من قُرَّاء الْمَدِينَة وَالشَّام وبعضُ أَهْل الْكُوفَة " بينَكُم " بِالنّصب، وَقَرَأَ كثير من أَهْل الْحجاز وَالْعراق وَغَيْرُهُمْ " بَيْنَكُمْ " بِالرَّفْع والنَّصْب، وَاحْتج كلُّ واحدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بِهِ، وَهُوَ قَوْله:

كأنّ رماحَهُمْ أشْطَانُ بئرٍ ... بعيدٍ بَيْنُ جَالَيْهَا جَرُورِ

وَقَدْ عَابَ بعضُ أَهْل الْعَرَبيَّة مِمَّنْ يتكلّم فِي الْقرَاءَات واخْتَار مِنْهَا قِرَاءَة لنَفسِهِ، وَهِي الْقِرَاءَة بِالنّصب فِي هَذَا الْحَرْف، وَزعم أَن من اخْتَارَهَا حَذَف الْمَوْصُول وَأبقى الصِّلَة واسْتُنْكِرَ هَذَا إِذْ كَانَت الصِّلَة تَمامًا للموصول، وَكَأن الذَّاهب إِلَيْهِ أَتَى بِبَعْض جملَة الِاسْم دون بَاقِيهَا كالدَّال من زَيْد، وَلَيْسَ هَذَا كالصفة الْقَائِمَة مقَام الْمَوْصُوف لِأَن كُلّ واحدٍ من الْمَوْصُوف وَالصّفة كلمة تَامَّة فِي نَفسهَا، وَجَعَل الْمَعْنى هَذَا الْقَائِل: لقَدْ تقطع مَا بَيْنكُم، وَكَأن العائب لهَذِهِ الْقِرَاءَة يعرف للنصب فِيهَا وَجها غَيْر الَّذِي ذكره فطعن فِيهِ وَأنْكرهُ.

وَفِي هَذَا عِنْدِي - بعد الَّذِي قدمت ذكره فِي أول هَذَا الْفَصْل - وَجه آخر لَمْ أر أحدا قبلي أَتَى بِهِ، وَهُوَ أَن يَكُون تَأْوِيل الْكَلَام لقَدْ تقطع مَا كُنْتُم تَزْعُمُونَ بَيْنكُم وضلَّ عَنْكُم، كأَنَّه قَالَ: الَّذِي كُنْتُم تَزْعُمُونَ تقطع بَيْنكُم فَلم يَنْتَظِم لكم ويَصْلُحْ بِهِ أمرُكم، وَهَذَا قَوْله تَعَالَى: " وتقطعت بهم الْأَسْبَاب ".

يتَخَلَّص من الْولَايَة بِبَيْت شعر

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَان، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعُتْبِي: قَالَ: وُلّي عمرُ بْن عَبْد الْعَزِيز رَجُلا فكره الْولَايَة، فَكتب إِلَى عُمَر: بِسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحيم، لعبد اللَّه عُمَر أَمِير الْمُؤْمِنِين، أما بعد:

فاسْقِنِي شَرْبَةً أَلَذُّ عَلَيْها ... ثُمّ عِدَّ مِثْلَ شَرْبَتِي لِهِشَامِ

فَكتب إِلَيْهِ عُمَر: اعتزلْ عَمَلي، فاعتزل ثمَّ كتب إِلَيْهِ:

عسلاً سَائِلًا وَمَاءً قُرَاحًا ... إنَّني لَا أُحِبُّ شُرْبَ الْمُدَامِ

فَكتب إِلَيْهِ عُمَر: عُدْ إِلَى عَمَلك، فَكتب إِلَيْهِ: لَا حَاجَة لي فِي عَمَلكُمْ.

أَنْت أسْوَدُ أم حَاتِم

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّد بْن سَلام، قَالَ: قِيلَ لأوس بْن حَارِثَة، وَهُوَ أَوْس بْن سَعْد الطَّائِي: أنتَ أسْوَدُ أم حَاتِم؟ وَكَانَ أوسُ يَمْشي فِي ثَلَاثِينَ من وَلَده، فَقَالَ: لَو أنني وَوَلَدِي لحاتم لأنْهَبَنَا فِي غَدَاة.

<<  <   >  >>