للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحْمتك وعَدْلك، من تَعَاوُرِ الغوائب، وسهام المصائب، وكَلَبِ الدَّهْر، وَذَهَاب الوَفْر، وَفِي نظرِ أَمِير الْمُؤْمِنِين مَا فَرَّج كُرْبةَ المكروب، وبَرَّد غليل الملهوف.

ثُمّ إنَّه تقدَّم من رَأْي أَمِير الْمُؤْمِنِين فِي الضِّياع الَّتِي أفادناها نعمُ آبَائِهِ الطاهرين، ونَوافِلُ أسْلافه الرَّاشدين، مَا اللَّهُ وليُّ الْخِيَرةِ فِيهِ لأمير الْمُؤْمِنِين، وَإِن عَبْد الْملك بْن صَالِح قَدِم الجزيرة حِين قدمهَا والحربُ لاقِح، والسيفُ مَشْهور، وَالشَّام قَدْ نَفِل أديمه، وتحطمتُ قُرُونُه، والسفيانيُّ قَد استعرتْ ناره، وكَثُرَتْ أنصاره، وَلبس للحرب لباسها، وأعَّد لَهَا أحَلاسها، وكُلُّنا يومئذٍ فِي ثَوب الْقِلَّةِ والصَّغار، بَيْنَ حربٍ دائرةٍ رحاها، وفتنةٍ تُصَرِّفُ بأنيابها، فكأنَّا نُهْزَةُ دواعيها، وغَرضُ راميها، إِذا ثارت عجاجةٌ من عجاجها لَمْ تَنْجَلِ إِلا عَنْ شِلْو مَأْكُول، أَوْ دمٍ مَطْلُول، أَوْ منزلٍ مَهْدوم، أَوْ مالٍ مَكْلُوم، أَوْ قلبٍ يَجِف، أَوْ عين تَذْرِف، أَوْ حرمةٍ حَرَّى، أَوْ طَرِيدَة وَلْهى، قَدْ أتْعَسَ اللَّهُ جَدَّها، تهتفُ بسِّيدها أَمِير الْمُؤْمِنِين مِنْ تَحت رَحَا الدَّهْر، وكَلْكَل الفَقْر، وَتَدْعُو اللَّه بإلباس الصَّبْر، وإعداد النَّصْر، فَالْحَمْد للَّه المتطول عَلَى أوليائك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين، إعزازَ نصرك، الْمُبَلِّغهم الْيَوْم الَّذِي كَانُوا يأْمُلُون، والأمَدَ الْأَقْصَى الَّذِي كَانُوا ينتظرون.

ثُمّ إِنِّي قمتُ هَذَا الْمقَام متوسِّلا إِلَيْك بآبائك الطَّاهرين، بالرشيد خير الهداة الرَّاشِدين، والمَهْدِيِّ ربيع السِّنين، والمنصورِ نَكَالِ الظَّالمين، ومحمدٍ خير المحمَّدين بعد خَاتم النَّبِيين والمرسليين، وبعليٍّ زَيْن العابدين، وَبِعَبْد اللَّه تَرْجُمانِ الْقُرآن ولسان الدّين، وبالعباس وَارِث سيِّد الْمُرْسلين، مُزْدَانًا إِلَيْك بِالطَّاعَةِ الَّتِي أفرغ اللَّه عَلَيْهَا غُصْني، واحتنكتْ بهَا سِنِّي، وسِيطَ بهَا لحمي وَدمِي، مُتَعَوِّذًا من شماتة الأعداءِ، وحلول الْبلَاء، ومقارنة الشِّدَّة بعد الرخَاء.

يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! قَدْ مضى جَدُّكَ المنصورُ وعَمُّكَ صالِحُ بنُ عليٍّ وَبَينهمَا من الرَّضاعِ والنَّسَبِ مَا قَدْ علم أميرُ الْمُؤْمِنِين، فَكَانَ ذَلِكَ لَهُ خصُوصًا ولبني أَبِيهِ عُمُوما، فَسبق بِهِ بني أَبِيهِ، وَفَاتَ بِهِ أقربيه، وَهُوَ صَاحب الجعديّ الناجم فِي مصر، حِين اجتثَّ اللَّه أصْله، وأيْبَس فَرْعَه، وصرعَهُ مَصْرَعَه، وَهُوَ صاحبُ عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ حِين دَعَا الشَّيْطَانُ أولياءَهُ فَأَجَابُوهُ، وَرفع لَهُم لواءَ الضَّلالَةِ فاتَّبعُوه. وَهُوَ صاحبُ عِيسَى بْن مُوسَى حِين رمى الْخلَافَة بِبَصَرِه، وسَمَا إِلَيْهَا بنظره، وَمَشى إِلَيْهَا البَخْتَرِيّ، وَلبس لباسَ وُلاةِ العهود، حَتَّى أثبت اللَّه الحقَّ فِي نِصابه، وأقرَّهُ فِي قِرابه.

يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! الدَّهْرُ ذُو اغتيال، وَقَدْ تقلَّب بِنَا حَالا بعد حَال، فليرحم أميرُ الْمُؤْمِنِين الصِّبْيةَ الصِّغَار، والعجائزَ المحجوباتِ الْكِبَار، واللاتي سقاهُنَّ الدَّهْر كَدرًا بعد صفوٍ، ومُرًّا بعد حلْو، وهَنيئًا نِعَمُ آبَائِك اللَّاتِي غَذَتْنا صغَارًا وكبارًا، وشبابًا وأمشاجًا فِي الأصلاب، ونُطَفًا فِي الْأَرْحَام، وقَرّبْنا بِحَيْثُ قَرَّبنا اللَّه مِنك فِي القَرابة والرَّحِم، فَإِن رقابَنا قَدْ ذَلَّتْ لِسَخَطك، وَإِن وُجُوهنا قَدْ عَنَتْ لموْجَدَتِك، فأقلنا عَثْرَة عاثرنا، وعَلى اللَّه المليِّ

<<  <   >  >>