للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشَّمْس أَوْ من التَّاء فِي لَيست، كأَنَّه قَالَ: لَيْسَت فِي حَالَة بكاء، وَقَدْ تكون سادَّةً مسد خبر لَيْسَ، وَنصب نُجُوم اللَّيْل بكاسفة.

وَأشهر الجوابات فِي هَذَا وأعرفها، وأقربها مأخذًا أَن جملَة معنى هَذَا القَوْل: أَن الشَّمْس لَمْ تَقْوَ عَلَى كَسْفِ النُّجُوم وَالْقَمَر لإظلامها وكسوفها، وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ: نَصَبِ نُجُوم اللَّيْل بقوله: تبْكي، وَالْمعْنَى: تبْكي عَلَيْك مُدَّة نُجُوم اللَّيْل وَالْقَمَر، فنصب عَلَى الظّرْف.

وَحكى عَنِ الْعَرَب: لَا أُكَلِّمك سَعْد الْعَشِيرَة أَيّ زَمَانَه، وقَالَ آخَرُونَ: المعني تغلب ببكائها عَلَيْك بكاءَ نُجُوم اللَّيْل، وَفِي هَذَا التَّأْوِيل وَجْهَان، أَحَدهمَا أَن يَكُون أُرِيد بالنجوم وَالْقَمَر الساداتُ الأماثل، كَمَا قَالَ النَّابِغَة فِي مدح النُّعْمَان بْن الْمُنْذر:

ألم تَرَ أَن اللَّه أَعْطَاك سُورةً ... تَرى كُلّ ملكٍ دُونها يَتَذَبْذَبُ

فَإنَّك شمس والملوكُ كواكبُ ... إِذا طلعتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ

وَقَدْ تَأَول الْمُفَضَّل الضَّبِّيّ قَول الفَرَزْدَق:

أخذْنا بآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجومُ الطوالِعُ

أَنَّهُ عَنى بالقمر: مُحَمَّدًا وإِبْرَاهِيم صلّى اللَّه عَلَيْهِمَا، وبالنجوم الطوالع: أَئِمَّة الدّين وخلفاء الْمُسْلِمِين، وَإِن كَانَ غَيره قَدْ تَأَول ذَلِكَ أَنَّهُ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب، وَمثل هَذَا أَيْضا:

وَمَا لتغلب إِن عدوا مساعيهم ... نجمٌ يُضيءُ وَلا شمسٌ وَلا قَمَرُ

وَهَذَا التَّأْوِيل فِي تبْكي أَي تغلب ببكائها من الْبَاب الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: خاصمني فَخَصمته وغالبني فغلبته، كَمَا قَالَ الأخطل:

إِن الفَرَزْدَق صَخْرَة ملمومةٌ ... طَالَتْ فَلَيْس نيالها الأوعالا

يُرِيد: طَالَتْ الأوعال فَلَيْسَتْ تنالها أَنْت، ذهب إِلَى هَذَا أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِي، وَمَا علمت أحدا سبقه إِلَيْهِ، وجائزٌ أَن يَكُون الْمَعْنى: أَن الأوعال ليستْ تنَال الصَّخرة وَقَدْ طالتها، وَتَكون من بَاب الفاعلين والمفعولين اللَّذين يفعل كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه مثل مَا فعل بِهِ، مثل: ضربت وضربني زيدٌ وزيدًا، وَلِهَذَا مَوضِع ييسر فِيهِ.

وَأما من رَوَى: نُجُوم اللَّيْل والقمرا، فَإنَّهُ من بَاب الْمَفْعُول مَعَه، كَقَوْلِهِم: اسْتَوَى المَاء والخشبة، وَمَا صنعت وأباك، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

فكونُوا أنْتُمُ وَبَنِي أَبِيكُمْ ... مَكَانَ الْكُلْيَتَيْنِ من الطَّحَالِ

ويروى: الشَّمْس كاسفةً لَيست بطالعة، فَإنَّهُ استعظم أَن تطلع وَلا تكسف مَعَ الْمُصَاب.

وَمثل: ألم تكسف الشَّمْس فِي الْبَيْت الَّذِي قدمنَا ذكره، مثل هَذَا قَول الشَّاعِر:

أَيَا شَجَرَ الخابُور مَالَكَ مُورقًا ... كأنَّكَ لَمْ تَجْزَع عَلَى ابْن طَرِيف

<<  <   >  >>