للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّه الَّذِي خَصَّني بقتلك وأراق دَمَكَ عَلَى يَدي، قَالَ: فَضَحِك ملْحَان، وقَالَ: واللَّه مَا رأيتُ رَجُلا كَالْيَوْمِ أبعدَ من كل خير وَلا أقرب من كُلّ قَبِيح، واللَّه يَا حَجّاج لَو عرفت أَن لَك رياً وخِفْتَ عذَابا ورجوتَ ثَوابًا، مَا اجْتَرأت عَلَى اللَّه هَذِهِ الجرأة، دونَك دمي فأرِقْه، فَالْحَمْد للَّه الَّذِي أكرمني بهوانك، عَلَيْك لعنةُ الله وعَلى من وَلَا، فاستشاط الحجاجُ وَغَضب، وقَالَ: اضْرِب عُنُقه، فضُرب عُنُقه فَتَدَهْدَهَ رأسُه حَتَّى كَاد يصيبُ مَالك بْن أَسمَاء، قَالَ: ثُمّ سكن الحَجَّاج قَلِيلا، ثُمّ قَالَ لمَالِك: تكلم، أما لَك عُذرٌ؟ قَبِلَ اللَّهُ عُذْرَك، فَقَالَ مَالك: أصلح اللَّه الْأَمِير، إِن لي وَلَك مثلا، قَالَ الْحجَّاج: مَا هُوَ قَبّح اللَّه أمثالكم يَا أَهْل الْعرَاق، قَالَ: زَعَمُوا أَن أسدًا وثعلبًا وذئبًا اصطحبوا فَخَرجُوا يتصيَّدُون، فصادوا حمارا وظبيًا وأرنبًا، فَقَالَ الْأسد للذئب: يَا أَبَا جعدة! اقْسمْ بَيْننَا صيدنا، قَالَ: الْأَمر أبين مُنْذُ لَك، الْحمار لَك والأرنب لأبي مُعَاوِيَة، والظبي لي، فخبطه الْأسد فأنْدَرَ رَأسه، ثُمّ أقبل عَلَى الثَّعْلَب، وقَالَ: قَاتله اللَّه مَا أجهله بِالْقِسْمَةِ هَات أَنْت، قَالَ الثعب: يَا أَبَا الْحَارِث! الْأَمر أوضح من ذَلِك، الْحمار الْحمار لغذائك والظَّبْيُ لعشائك وتخلَّلْ بالأرنب فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ الْأسد: مَا أقضاك! من علمك هَذِهِ الْقَضِيَّة؟ قَالَ: رأسُ الذِّئْب النَّادِرُ بَيْنَ عَيْني، وَلَكِن رَأس ملْحَان أبطل حجتي أصلحك اللَّه، قَالَ: أَخْرجُوهُ عني قبَّحه اللَّه وقَبَّح أَمْثَاله.

قَالَ عَاصِم بْن الْحدثَان: ملْحَان الَّذِي يَقُولُ:

وأبيضَ مخباتٍ إِذا اللَّيْل جَنَّهُ ... رَعَى حَذَرَ النَّارِ النُّجُوم الطَّوالِعا

إِذا استثقل الأقوامُ نوما رأيتَهُ ... حذارًا عِقَاب اللَّه لِلَّهِ ضَارِعا

فَطَوْرًا تَبَكَّى سَاجِدًا مُتَضرِّعًا ... وطورًا يُنَاجِي اللَّه وَسْنان رَاكِعَا

صَحِبت فَلم أذْمُمْ وَمَا ذَمَّ صُحْبتي ... وَكَانَ لخلّات المكارم جَامعا

سَخِيًّا شجاعًا يَبْذُل النَّفْس فِي الوغى ... حَيَاةً إِذا لَاقَى العدوَّ المقارعا

فلاقى المنايا مُسْلِمُ بْن خويلد ... فَلم يكُ إذْ لاقَى الْمنية جازعًا

مضى والقَنَا فِي نَحره متقدِّمًا ... إِلَى قِرْنِهِ حَتَّى تكعكع رَاجعا

وأدبرت الأقْرَان عَنْهُم وخافهم ... وَكَانَ قَدِيما للعَدُوِّ مُمَاصِعا

فَمَاتَ حميدا مُسْلِم بْن خويلد ... لأهل التقى والحزم والحلم فاجعا

ومُسْلِم بْن خويلد بْن زَيَّان الرَّاسِبي، قُتِل يوْم النهروان، وَأم مُسْلِم أُخْت وَهْب الرَّاسِبي أعقب السَّجَّاد، عَبْد اللَّه بْن وَهْب ذِي الثفنات وَكَانَ يُقَالُ لَهُ السَّجَّاد.

قَالَ: القَاضِي: حَتَّى تكعكع رَاجعا مَعْنَاهُ ارْتَدَّ رَاجعا ووقف عَنِ الْمُضِيّ والاستمرار عَلَى وتيرته، وَقَوله: وَكَانَ قَدِيما لِلْعَدو مماصعًا: والمماصعة الْمُضَاربَة والمجالدة، يُقَالُ:

<<  <   >  >>