للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَسْجِد، وجاريةٌ تُعَمِّمُهُ فَضَحِك، فَقَالَ: لَهُ يَزِيد: ممَّ تَضْحك، فَقَالَ: للَّه رُؤْيَا رأيتُها إِن أذن لي الأميرُ قَصَصْتُها، قَالَ: قل، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

رأيتُك فِي الْمَنَام سَنَنْتَ خزًّا ... عَلَيَّ بَنَفسَجًا وقَضَيْتَ دَيْنِي

فَصَدِّقْ مَا هُدِيتَ الْيَوْم رُؤْيا ... رأتها فِي الْمَنَام كَذَاك عَيْنِي

قَالَ: كم دينُك؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ ألفا، قَالَ: قَدْ أمرتُ لَك بهَا وبمثلها، ثمَّ قَالَ: يَا غلْمَان! فتشوا الخزائن فجيؤه مِنْهَا بِكُل خَزٍّ بنفسجٍ تَجدُونها، فَجَاءُوا بِثَلَاثِينَ جُبَّة، فَنظر إِلَيْهِ يُلَاحظ الْجَارِيَة، فَقَالَ: يَا جَارِيَة عاوني عَمَّك عَلَى قَبْض الْجِبَاب، فَإِذا وصلت إِلَى منزله فَأَنت لَهُ، فَأَخذهَا والجباب وَالْمَال وَانْصَرف.

قَالَ: سننت خَزًّا أَيّ أَلقيته وصَبَبْتَهُ عَليّ، يُقَالُ صَبَّ عَلَيْه ثَوْبه كَمَا قَالَ أَبُو نواس:

صببت على الْأَمِير ثيابَ مَدْحِي ... فَقَالَ الناسُ أحسنَ بل أَجَاد

ويُقَالُ: سننتُ عَليَّ قَمِيصِي، وسننتُ المَاء عَلَى وَجْهي بِالسِّين الْمُهْملَة، وشننت عَليّ المَاء إِذا أفَضْتَه على جسدك، بالشين النعجمة، وَكَذَلِكَ شَنَّ عَلَيْه الدِّرْع، وشنَّ عَلَيْهِم الْغَارة، وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: " من حمأٍ مسنون " أَيّ مَصْبوب عَلَى قصد، وَقيل: متغير الرَّائِحَة، وَهَذَا مسنون وسَنِين، وَلِهَذَا الْبَاب مَوضِع هُوَ مُسْتَقْصى فِيهِ، وَالسّنة مُشْتَقَّة من خذا الأَصْل لِأَنَّهَا شيءٌ جَار عَلَى وَجهه، وَمِنْه سُنَّةُ الطَّرِيق وسَنَنُه، قَالَ لبيد:

من معشر سننت لَهُم آباؤهم ... وَلكُل قوم سنةٌ وإمامُها

وسُنَّة الْوَجْه كأَنَّها الشيءُ المصبوبُ الْجَارِي عَلَى طَريقَة مَقْصُودَة: كَمَا قَالَ ذُو الرمة:

تُرِيكَ سُنَّةَ وجهٍ غيرَ مقرفةٍ ... مَلْساء لَيْسَ بهَا خالٌ وَلا نَدَبُ

يروي غَيْر مقرفة وَغير بِالنّصب والجر، فَمن رَوَاهُ نصبا فَهُوَ الْوَجْه الظَّاهِر فِي الصِّحَّة الَّذِي لَا شُبْهَة فِيهِ وَلا مَرِيَّة إِذْ هُوَ صفةٌ لمنصوب، وَهُوَ السّنة المنصوبة بالفهل وَهُوَ تريك، وَمن رَوَاهُ جَرًّا فَإنَّهُ أتبعه إِعْرَاب وجْه المخفوض يالإضافة، عَلَى الطَّرِيقَة الَّتِي يجيزُها من يجيزُها للمجاورة، ويجعلها بِمَنْزِلَة قَوْلهم " حُجْرُ ضَبٍّ خربٍ "، وَهَذَا وَجه ضَعِيف مَرْغُوب عَنهُ، وكثيرمن النَّحْوِيين لَا يُجِيزهُ، وَمن محقيقيهم من يُلَحِّن الْمُتَكَلّم بِهِ، وينسب مجيزه من النُّحَاة إِلَى الْخَطَأ والمتكلم بِهِ من العَرَبِ وَإِن كَانَ قدوة حجَّة فِي اللُّغَة إِلَى الْغَلَط، وَهَذَا يَتَّسِع القولُ فِيهِ، وَقَد استقصينا بَيَانه فِي كتَابنَا " الشافي فِي طَهَارَة الرجلَيْن " وَغَيره من كُتبنا ومسائلنا.

توصي لَهُ بِثلث مَالهَا نَظِير بَيت شعر

حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَعْد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي أَبُو بركَة الْأَشْجَعِيّ، قالك حَضَرَتِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ الْوَفَاةُ، فَقِيلَ لَهَا: أَوْصِي، فَقَالَتْ: نَعَمْ، خَبِّرُونِي مَنِ الْقَائِلِ:

<<  <   >  >>