للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا أثر فِي قلبِي منظوم تأثيرها عِنْد إنشادها، وَكَانَت لي ابْنة لَطِيفَة الْمحل من قلبِي، نَفِيسَةُ الْمنزلَة فِي نَفسِي، ذَات محَاسِن كَثِيرَة، وفضائِل غزيرة، وَرزقت حظًّا من حفظ التِّلَاوَة والآداب الدِّينِيَّة، مَعَ عقل رصينٍ ونزاهة وَدين، وَهبهَا الله ليبفضله ونِعْمتهِ، ثمَّ اسْتَأْثر بهَا بعدله ومشيئته، فَسلمت للرب جلّ جَلَاله قَضَاءَهُ فِيهَا وَعرفت حسن اخْتِيَاره لي وَلها، إِذْ كَانَ خَالِقهَا أملك بهَا من والدها ومنشيها، وأرحم بهَا من ثاكلها، وصابرت عَظِيم الْمُصَاب بهَا، ورضيت بِثَوَاب اللَّه عوضا مِنْهَا، ولَهجْتُ بِهَذِهِ الأبيات الَّتِي قدمت ذكرهَا فَمَكثت زَمَانا أقطع ليلِي ونهاري بتَرْجِيعِها والترنم بهَا، وأستشفي بفيض دموعي وَرفع عفيرتي بتردادها، ولإعجابي بهَا رَأَيْت إتباعها بِذكر مَا حضرني من الْأَخْبَار الَّتِي تضمنتها أنسا مني بإعادتها، وَلَم أَدخل بعض الْآتِيَة بهَا فِي بعض إِذْ كَانَتْ قَدْ وقعتْ إليّ من جهاتٍ شَتّى وطرق مُخْتَلفَة.

فَمنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الطُّوسيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزُّبَير، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْملك بْن قُرَيْب الْأَصْمَعِي: خرجت ذَات يوْم فِي الْبَادِيَة فَإِذا أَنَا بِامْرَأَة إِلَى جَانب قبر وَهِي تُشِير بِيَدِهَا، فَقلت: يَنْبَغِي أَن تكون هَذِهِ تندب أَوْ ترثي، فدنوت حَتَّى قربتُ مِنْهَا فَإِذا هِيَ تَقُولُ:

هَلْ خبر الْقَبْر سائِليه ... أم قرّ عينا بزائريه

أم هَلْ تُراه أحَاط علما ... بالجَسَدِ الْمُسْتكِنِّ فيهِ

لَو يعلم الْقَبْر من يُواري ... تَاهَ عَلَى كُلّ من بليه

يَا قبر لَو تقبلُ افْتِدَاءً ... كنتُ بنفسي سأفتديهِ

أنعي بُرَيْدًا إِلَى حُزُوب ... تَحسِرُ عَنْ منظرٍ كَرِيهِ

أندب من لَا يُحِيط علما ... بوصفه ندب نادبيه

يَا جبلا كَانَ فا امتناعٍ ... ةركن عِزٍّ لآمليهِ

أنعي بُرَيدًا لمجتنيه ... أنعي بُرَيدًا لمعتفيه

يَا نَخْلَة طلعُها نضيدٌ ... يَقْرُبُ من كفِّ مجتنيه

تحلو نعم عِنْده سماحًا ... وطيبها راتب بِفِيهِ

أيا صبورًا عَلَى بلاءٍ ... كَانَ بِهِ اللَّه مبتليه

قَالَ: عَبْد الْملك فَحفِظت مَا قَالَتْ، ثمَّ دَنَوْت إِلَيْهَا، فَقلت لَهَا: أعيدي لفظك رَحِمك اللَّه، قَالَتْ: أما وَالله لَو علمت أَن أحدا يَسْمَعُني مَا تفوهت بِهِ، قَالَ: فَقلت لَهَا: إِنِّي أَسأَلك أَلا أعَدْتِيه، فَقَالَت: يَا شيخ سوءةً لَك، أَقُول لَك مَا أَقُول وتعيد عَليّ الْكَلَام فَقلت لَهَا: إِنِّي أَسأَلك

<<  <   >  >>