للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آراء لهِشَام بْن عَبْد الْملك

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَد بْن الْحَارِث، قَالَ: قَالَ: أَبُو الْحَسَن.

قَالَ يَوْمًا هِشَام بْن عَبْد الْملك وَهُوَ يسير فِي موكبه: يَا لَك دُنْيَا مَا أحسنك! لَوْلَا أنَّكَ ميراثٌ لآخرك، وآخرك كأولك، فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة نظر إِلَى وَلَده يَبْكُونَ حوله، فَقَالَ: جَادَ لَكُمْ هِشَام بالدنيا وجُدْتُم عَلَيْه بالبكاء، وَترك لَكُمْ مَا جمع، وتركتم عَلَيْه مَا كسب، مَا أعظم منْقَلَب هِشَام إِن لَمْ يغْفر اللَّه لَهُ!

مَتَى أحصل عنْدك؟

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ نُصَيْر الحَرْبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْكُوفِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الْوَرَّاق، قَالَ: صَحِبْتُ رَجُلا فِي السَّفر وأنِسْتُ بِهِ لأدبه وَحسن أخلاقه، فصرنا إِلَى مصر، وَكنت أقصده وأبيتُ عِنْده اللَّيْلَة والليلتين فِي الْأُسْبُوع، وَقل مَا أُخِلُّ بزيارته فِي ليلةٍ كُلّ جُمُعَة، وَكَانَ ينزل غُرْفَةً من الْغُرَف فقصدْت فِي بعض العشايا زيارته فوجدتُ غرفته مغلوقة وَعَلَيْهَا مَكْتُوب:

أبدا تحصلُ عِنْدِي ... فَمَتَى أحْصُلُ عندكْ

إِن تناصَفْنا وإِلا ... أَنْت يَا ورَّاقُ وَحْدَكْ

فانصرفتُ إِلَى منزلي ثُمّ لقيتُه من غدٍ فَضَحِك كُلّ واحدٍ مِنَّا إِلَى صَاحبه فِيمَا كَانَ من مداعبته فِيمَا كتبه، واستدعيتُ بعد ذَلِكَ زيارتَه إيَّايَ، وَكَانَ يبيت اللَّيَالِي عِنْدِي وأبيتُ عِنْده إِلَى أَن فرَّقَتْ بيْننا حوادثُ الْأَيَّام.

تَأْخِير كُلّ وتقديمها

قَالَ القَاضِي: قَوْله فِي هَذِهِ الْحِكَايَة: فِي لَيْلَة كُلّ جُمُعَة وَاللَّفْظ الْآتِي فِي هَذَا الْخَبَر صَحِيح يُؤَدِّي عَنْ هَذَا الْمَعْنى، وَقَدْ جَاءَ فِي بعض الْقُرْآن نحوُ هَذَا فِي مَوضِع من الْقُرْآن، وَهُوَ قَول اللَّه تَعَالَى " كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كل قلبٍ متكبرٍ جَبَّار " فَقَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء من أَهل الحَرَمَيْن وَالشَّام والْعِرَاقَيْن عَلَى كُلّ قلبٍ متكبرٍ، بِإِضَافَة كُلّ إِلَى قلبٍ، عَلَى أَن قَوْله متكبر جَبَّار، من صفة ذِي الْقلب، وَإِن كَانَ الْقلب نَفسه قَدْ يُوصف بِذَلِك، وَنَحْو هَذَا قَوْلهم: فلانٌ سليمُ الْقلب، وقلبُ فلانٍ سُلَيْم، فيُجْرِي الصّفة عَلَى اللَّفْظ تَارَة أَيّ عَلَى الْقلب إِذْ كَانَت السَّلامةُ والتكبرُّ والجبرية فِيهِ، وَتارَة عَلَى صَاحبه وَيجْعَل صفة لجمْلَتِه لاستحقاقه الْوَصْف لَهَا، وَإِن كَانَتْ حَالَة فِي قلبه، وَقَدْ قَرَأَ بعض الْقُرَّاء عَلَى كُلِّ قلبٍ متكبرٍ بتنوين الْقلب، وَجَعَل الصّفة لَهُ إِذْ كَانَتْ فِيهِ، وَمِمَّنْ قَرَأَ هَكَذَا أَبُو عَمْرو بْن الْعَلاء من الْبَصْرَة، وذُكِر أَنَّهَا من قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَلَى كُلّ قلب متكبر، بِإِضَافَة قلب إِلَى كُلّ على الْوَجْه الَّذِي قدمنَا ذكره، وَهَذِه الْقِرَاءَة شاهدةٌ للإضافة موافقةٌ فِي الْمَعْنى قِرَاءَة من أضَاف عَلَى الْوَجْه الآخر، وَحكى الفَرَّاء أَنَّهُ سَمِع بعض الْعَرَب يَقُولُ: رَجُل سَفَرُه يوْم كُلّ جُمُعَة، يُرِيد كُلّ يوْم جمعه، قَالَ: وَالْمعْنَى وَاحِد.

<<  <   >  >>