للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَسَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا كَانَ فِيهَا سدادٌ مِنْ عَوَزٍ " فَكَانَ الْمَأْمُون متكأً فَاسْتَوَى جَالِسًا، وَقَالَ: السَّدَادُ لحنٌ يَا نضر؟ قلت: نعم هَاهُنَا، وَإِنَّمَا لَحَنَ هُشَيْمٌ وَكَانَ لَحَّانًا، فَقَالَ: مالفرق بَيْنَهُمَا، قُلْتُ: السَّدَادُ: الْقَصْدُ فِي السَّبِيلِ، وَالسِّدَادُ: الْبُلْغَةُ وَكُلُّ مَا سَدَدْتَ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ سِدَادٌ، قَالَ: أَفَتَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ، قُلْتُ: نَعَمْ، هَذَا الْعَرْجِيُّ مِنْ وَلَدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَقُولُ:

أَضَاعُونِي وأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا ... لِيَوْمٍ كريهةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ

فَأَطْرَقَ الْمَأْمُونُ مَلِيًّا ثُمَّ، قَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ لَا أَدَبَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَنْشِدْنِي يَا نَضْرُ أَخْلَبَ بَيْتٍ لِلْعَرَبِ، قُلْتُ: قَوْلُ ابْنُ بيضٍ فِي الْحَكَمِ بْنِ مَرْوَانَ:

تَقُولُ لِي وَالْعُيُونُ هاجعةٌ ... أَقِمْ عَلَيْنَا يَوْمًا فَلَمْ أَقُمْ

أَيُّ الْوُجُوهِ انْتَجَعْتَ قُلْتُ لَهَا: ... لأَيِّ وَجْهٍ إِلا إِلَى الْحَكَمِ

مَتَى يَقُلْ حَاجِبَا سُرَادِقِهِ ... هَذَا ابْنُ بيضٍ بِالْبَابِ، يَبْتَسِمِ

قَدْ كُنْتُ أَسْلَمْتُ قَبْلُ مُقْتَبِلا ... هَيْهَاتَ أَدْخُلُ أَعْطِنِي سَلَمِي

قَالَ القَاضِي: قَوْله: أسلمت مقتبلا، مَعْنَاهُ أسلفت وَأخذت قبل قبيلا يَعْنِي كَفِيلا، وَمن السَّلف من كَرِه الرَّهن والقبيل فِي السَّلَم، وَمِنْهُم من أجَازه، وقَالَ: استوثَقَ من حقّه، فَقَالَ الْمَأْمُون: للَّه دَرُّك! فَكَأَنَّمَا شُقَّ لَك عَنْ قلبِي، أَنْشدني أنصف بَيت قالته الْعَرَب، قُلْتُ: قَول ابْن أَبِي عَرُوبَةَ المَدِينيّ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين:

إِنِّي وَإِن كَانَ ابنُ عمي عاتبًا ... لَمُزَاحِم من خَلْفه وورَائِهِ

ومُفِيدُهُ نَصْرِي وَإِن كَانَ امْرَأً ... مترجْرِجًا فِي أرضه وسمائِه

وأكون وَالِي سِره وأصونُهُ ... حَتَّى يحيز إليَّ وَقت أدائِه

وَإِذَا الْحَوَادِث أجحفت بسوامه ... قرنت صحيحنا إِلَى جُرَبَائِهِ

وَإِذَا أَتَى من وَجهه بطريفةٍ ... لَمْ أطَّلِعْ فِيمَا وَرَاء خبائِهِ

وَإِذَا ارتدى ثوبا جميلاً لم أقل ... ياليت أنَّ عليَّ حُسْن رُوَائِهِ

فَقَالَ: أَحْسَنت يَا نَضْر، أَنْشدني الْآن أقنع بيتٍ للْعَرَب، فَأَنْشَدته قَول ابْن عبدل:

إِنِّي امرؤٌ لَمْ أَزَلْ وَذَاك من اللَّهِ أديبًا أُعَلِّم الأَدَبا

أقُيمُ بالدَّارِ مَا اطمأنت بِي الد ... ار وَإِن كنتُ نَازحًا طَربا

لَا أجْتَوِي خَلَّةَ الصَّديق وَلا ... أُتْبعُ نفسِي شَيْئا إِذا ذَهَبا

أطلبُ مَا يطْلب الْكَرِيم من الر ... زق بنَفْسِي وأجملُ الطلبا

<<  <   >  >>