للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهِ من إِنْفَاذه عماله على النَّاس للعدل فيهم وَأَدَاء حُقُوقهم إِلَيْهِم، وَأَنه حكم بِالْقصاصِ مِمَّن جنى مِنْهُم، وبإنصاف مظلومهم من ظالمهم، وَهَا نَحن فِي زمانٍ الْجور فِيهِ ظَاهر غامر، والظالم قاهر، والمظلوم حائر؛ وَأما تِلَاوَة الْقُرْآن فِي زَمَاننَا فَإِن من يتلوه فِيهِ تقربًا إِلَى ربه واعتبارًا بِهِ، وتفكرًا فِي حكمه، وتدبرًا فِي آيَاته، وتفقهًا فِي دينه، فَإِنَّهُ فِي قلته ومهانته وذلته على حد عَظِيم فِي مَنْزِلَته، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الكبريت الْحمر فِي عزته، وبمنزلة الشامة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود، إِذا نظر فِي أمره فِي عدد أَهله، ومعظم من يتلوه فِي وقتنا إِمَّا مباهٍ لأمثاله مفاخر، أَو مبارٍ لأشكاله مُكَاثِر، أَو مستميحًا للحطام والسحت الْحَرَام من ذَوي الْبَغي والضلالة، وَاللَّهْو والبطالة، بالتغني لَهُم بِهِ على الْوَجْه الَّذِي زجر الله تَعَالَى عَنْهُ وَرَسُوله من ألحان اللاهين وترجيع اللعابين، قد جعل ذَلِك لَهُ طعمه واتخذه لنَفسِهِ معيشة، وَدرت عَلَيْهِ الهبات، والعطايا والصلات، من المغرورين، المسحورين مِنْهُم والمفتونين، المطبوع على قُلُوبهم، وتعلقوا عِنْد الْعَامَّة بادعاء التَّأْوِيل فِي الْخَبَر الْوَارِد عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ، وَبِقَوْلِهِ: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، فَحَمَلُوهُ على غير وَجهه ووجهوه إِلَى خلاف مَا قصد لَهُ بِهِ، فَكَانُوا فِي تلاوتهم لِلْقُرْآنِ من الَّذين ذكر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهم يتعجلونه وَلَا يتأجلونه، وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل فِي مَا يتأولونه.

وَقد أَتَيْنَا من الْكَلَام فِي هَذَا الْمَعْنى بِمَا ينْتَفع بِهِ النَّاظر فِيهِ، إِذا وقف على مَعَانِيه، ناصحًا لنَفسِهِ، مشفقًا من خشيَة ربه، فِي كتَابنَا الْمُسَمّى: التَّذْكِير والتحذير وَفِي بعض مَا مضى من مجَالِس كتَابنَا هَذَا وَفِي غَيرهمَا.

[تعال فاستقد]

وَمِمَّا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْقَصَاصِ الَّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ فِي خُطْبَتِهِ مَا حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعَ عشرَة وثلاثمائة قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبي حبيب بن بُكَيْرِ بْنِ عَبدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُسَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ شَيْئًا إِذَا أَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَطَعَنَهُ بِعُرْجُونٍ كَانَ فِي يَدِهِ، فَصَاحَ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاسْتَقِدْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ عَفَوْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ: وَمَا رُوِيَ فِي هَذَا النَّحْوِ كَثِيرٌ، وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ زَمَانِ السُّوءِ الْمُشْتَكَى وَالْمَفَرُّ وَالْمَلْجَأُ، وَغَوْثُهُ الْمَأْمُولُ الْمُرْتَجَى، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

اضْرِب ضربا تقوى عَلَيْهِ

حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد الْأَزْدِيّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِم قَالَ: ضرب رجل من ذَوي السُّلْطَان رجلا فأوجعه فَقَالَ لَهُ: أصلحك الله اضربني ضربا تقوى عَلَيْهِ فَإِن الْقصاص أمامك.

<<  <   >  >>