للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَافق وأخرست كل نَاطِق.

[جرير يحكم بتفوق الأخطل]

حَدثنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الأَزْدِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يحيى قَالَ حَدَّثَنَا ابْن الْأَعرَابِي قَالَ، قيل لجرير: أَيّمَا أشعر أَنْت فِي قَوْلك.

حَيّ الْغَدَاة برامة الأطلال ... رسما تحمل أَهله فأحالا

أم الأخطل فِي جوابها:

كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط ... غلس الظلام من الربَاب خيالا

قَالَ: هُوَ أشعر مني، إِلَّا أَنِّي قد قلت فِي قصيدتي بَيْتا لَو أَن الأفاعي نهشتهم فِي أستاههم مَا حكوها حَيْثُ أَقُول:

والتغلبي إِذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا

تعليقات للمعافى بْن زَكَرِيَّا قَالَ القَاضِي: من فضل جرير تفضيله الأخطل فِي الشّعْر واعترافه بِأَن شعره يفضل شعر نَفسه، على مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة والملاحاة والمقارعة والمهاجاة والمفاخرة والمباراة، مَعَ أَن جَرِيرًا قد أَتَى فِي قصيدته هَذِه بِمَا لَيْسَ فِي قصيدة الأخطل وَلَا غَيرهَا من شعره مَا يدانيه وَيُقَارب مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ قَوْله:

مَا زلت تحسب كل شَيْء بعدهمْ ... خيلاص تكر عَلَيْكُم ورجالا

وَهَذَا من أخصر كَلَام وأفصحه، وأبلغ نظامٍ وأروضحه. وَقد رُوِيَ أَن الأخطل لما أنْشد هَذَا الْبَيْت بهت عِنْده وَكثر تعجبه مِنْهُ وَقَالَ: من أَيْن لِابْنِ المراغة هَذَا؟ فَقيل لَهُ: إِن هَذَا الْمَعْنى فِي الْقُرْآن وتلي عَلَيْهِ قَول الله جلّ وَعز: " يَحْسَبُونَ كُلَّ صيحةٍ عَلَيْهِم هم الْعَدو " والمنافقون: ٤ فَقَالَ الأخطل: أَنا من أَيْن لي مثل كتاب محمدٍ آخذ مِنْهُ وأستعين بِهِ؟! وَالَّذِي أَتَى الْقُرْآن بِهِ فِي هَذَا مبر على مَا قَالَه الشُّعَرَاء فِيهِ لأمرٍ متفاوت فِي قلَّة عدد حُرُوفه وَقرب مأخذه ووضوح مَعْنَاهُ. وَمِمَّا يشبه قَول جرير فِي هَذَا الْمَعْنى قَول الَّذِي قَالَ:

وَلَو أَنَّهَا عصفورة لحسبتها ... مسومة تَدْعُو عبيدا وأزنما

وَنَحْو هَذَا قَول الآخر

كَأَن بِلَاد الله وَهِي عريضة ... على الْخَائِف الْمَطْلُوب كفة حابل

تُؤدِّي إِلَيْهِ أَن كل ثنيةٍ ... تطلعها ترمي إِلَيْهِ بِقَاتِل

ويروى تسنمها.

قَالَ القَاضِي: قَوْله: كَفه حابل يَعْنِي حبالة الصَّائِد، وَقَالَ اللغويون: الكفة مَا كَانَ مستديرًا ككفة الْمِيزَان، والكفة بِالضَّمِّ مَا كَانَ مستطيلا ككفة الثَّوْب، والوجهان يرجعان إِلَى معنى وَاحِد، وَهُوَ الْكَفّ والحصر وَالْحَبْس وإحاطة النهايات بالحواشي المتوسطات؛

<<  <   >  >>