للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عُمَرُ بْنُ حبيبٍ الْعَدَوِيُّ الْقَاضِي قَالَ: قَدِمْتُ مَعَ وفدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونِ، فَجَلَسْنَا وَكُنْتُ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا، فَطَلَبَ قَاضِيًا يُوَلَّى عَلَيْنَا بِالْبَصْرَةِ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ جِيءَ بِرَجُلٍ مقيدٍ بِالْحَدِيدِ مفولةٍ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَحُلَّتْ يَدُهُ مِنْ عُنُقِهِ، ثُمَّ جِيءَ بنطعٍ فَوُضِعَ فِي وَسَطِهِ وَمُدَّتْ عُنُقُهُ، وَقَامَ السَّيَّافُ شَاهِرًا السَّيْفَ، فَاسْتَأْذَنَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ضَرْبِ عُنُقِهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْتُ أَمْرًا فَظِيعًا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ لأَتَكَلَّمَنَّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْجُوَ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْمَعْ مَقَالَتِي. فَقَالَ لِي: قُلْ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي عَنْ جَدِّكَ عَنِ ابْنِ عباسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي منادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ لِيَقُمْ مَنْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَجْرُهُ، فَلا يَقُومُ إِلا مَنْ عَفَا عَنْ ذَنْبِ أَخِيهِ. فَاعْفُ عَنْهُ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لِي: أَللَّهِ إِنَّ أَبِي حَدَّثَكَ عَنْ جَدِّي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا؟ فَقُلْتُ: أَللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي عَنْ جَدِّكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا. فَقَالَ: صَدَقْتَ، إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ جَدِّي عَنِ ابْنِ عباسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا. فَقَالَ: صَدَقْتَ، إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ جَدِّي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا، يَا غُلامُ أَطْلِقْ سَبِيلَهُ، فَأَطْلَقَ سَبِيلَهُ ثُمَّ أَمَرَ أَنْ أُولَّى الْقَضَاءَ ثُمَّ قَالَ لِي: عَنْ مَنْ كَتَبْتَ؟ قُلْتُ: أَقْدَمُ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هندٍ، قَالَ: فَحَدِّثْ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: بَلَى فَحَدِّثْ، فَإِنَّ نَفْسِي مَا طَلَبَتْ مِنِّي شَيْئًا إِلا وَقَدْ نَالَتْهُ مَا خَلا هَذَا الْحَدِيثَ فَإِنِّي كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَقْعُدَ عَلَى كُرْسِيٍّ وَيُقَالَ لِي مَنْ حَدَّثَكَ.؟ فَأَقُولَ: حَدَّثَنِي فُلانٌ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلِمَ لَا تُحَدِّثُ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ الْمُلْكُ وَالْخِلافَةُ مَعَ الْحَدِيثِ لِلنَّاسِ.

مدح حسن الْعَفو

قَالَ القَاضِي: مَا قَرَّرَهُ الله عز وَجل فِي الْعُقُول من حسن الْعَفو وتفضيل أَهله وَمَا أنزلهُ فِيهِ وأحكمه فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُول الله أَكثر من أَن نأتي على ذكر جَمِيعه وَقد قَالَ الله تَعَالَى: " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " الشورى:٤٠ وَقَالَ جلّ ذكره: " وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ " الْبَقَرَة: ٢٣٧ وكل هَذَا مُؤَكد لما مكنه الله جلّ وَعلا فِي الْعُقُول وَشَاهد لما تَوَاتر من الْأَخْبَار عَن الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[العائف اللهبي]

حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دريدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عمّه عَن يُونُس عَن شيخ من عنزة قَالَ: خرج رجل من لَهب، وهم حَيّ من الأزد، وهم أعيف الْعَرَب، وَمَعَهُ سقاء لبن، فَسَار صدر يَوْمه ثُمَّ عَطش فَأَنَاخَ ليشْرب فَإِذا غراب ينعب، فأثار رَاحِلَته وَمضى؛ فَلَمَّا أجهده الْعَطش أَنَاخَ ليشْرب فنعب الْغُرَاب، فأثار رَاحِلَته وَمضى؛ فَلَمَّا أجهده الْعَطش أَنَاخَ ليشْرب فنعب الْغُرَاب، فأثار رَاحِلَته فَمضى، ثُمَّ أَنَاخَ ليشْرب فنعب الْغُرَاب وتمرغ فِي التُّرَاب، فَضرب الرجل السقاء بِسَيْفِهِ فَإِذا فِيهِ أسود سالخ. ثُمَّ مضى لوجهه فَإِذا غراب وَاقع على سدرةٍ، فصاح بِهِ فَوَقع على سلمةٍ، فصاح بِهِ فَوَقع على صخرةٍ، فَإِذا تَحت الصَّخْرَة كنز ذهبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَبِيه قَالَ لَهُ: مَا صنعت؟ قَالَ: سرت صدر يومي، ثُمَّ أنخت لأشرب فنعب غراب، فَقَالَ:

<<  <   >  >>