للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَشَوْا إِلَى الضَّرَاءِ وَدَبُّوا إِلَى الْخَمَرِ.

قَالَ الْقَاضِي: الضَّرَاءُ: مَا وَارَاكَ مِنْ شجرةٍ، وَالْخَمَرُ: مَا وَرَاك مِنْ شيءٍ، قَالَ زُهَيْرٌ

فَمَهْلا آلَ عَبْدِ اللَّهِ عُدُّوا ... مَخَازِيَ لَا يُدَبُّ لَهَا الضَّرَاءُ

وَقَالَ آخَرُ:

أَلا يَا زَيْدُ وَالضَّحَّاكُ سِيرا ... فقد جَاوَزْتُما خَمْر الطّرِيقِ

فَلَمَّا بَدَتْ لِي ضِبَابُ صُدُورِهِمْ وحسك قُلُوبهم أَو جرتهم أَمَرَّ مِنْ نَقِيعِ الْحَنْظَلِ. فَقَالَ شَرِيكُ بْنُ الأَعْوَرِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا مَا أَعَجْزَنَا لِمَا أَخَذَتْهُ أَنْيَابُنَا وَكَلَمَتْهُ أَظْفَارُنَا، فَقَالَ عَمْرو: إِلَيْك يَا ابْن الأَعْوَرِ فَإِنِّي لَا أُغْمَزُ غَمْزَ التِّينِ وَلا يُقَعْقَعُ لِي بِالشِّنَانِ؛ فَلَمَّا خَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَتَفَاقَمَ الأَمْرُ بَيْنَهُمْ وَيَخْرُجُوا إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا قَالَ: إِيهًا عَنْكُمُ الآنَ، وَأَقْبَلَ عَلَى عمروٍ فَقَالَ: يَا أَبَا ثَوْرٍ لَقَدْ حَدَّثْتَ عَنْ نَفْسِكَ بمأكلٍ ومشرب، وَلَقَد لَقِيتَ النَّاسَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ فَأَخْبِرْنِي هَلْ صَدَفْتَ عَنْ فَارِسٍ قَطُّ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ الْكَذِبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا مُشْرِكٌ فَكَيْفَ إِذْ هَدَانِيَ اللَّهُ تَعَالَى لِلإِسْلامِ؟ لَقَدْ قُلْتُ ذَاتَ يومٍ لِخَيْلٍ مِنْ بَنِي ذُهْلٍ: هَلْ لَكُمْ فِي الْغَارَةِ؟ قَالُوا: عَلَى مَنْ؟ قُلْتُ: عَلَى بَنِي الْبَكَّاءِ، قَالُوا: مَغَارٌ بَعِيدٌ عَلَى شِدَّةِ كَلْبٍ وَقِلَّةِ سَلْبٍ، قُلْتُ: فَعَلَى مَنْ؟ قَالُوا: عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ كِنَانَةَ فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رِجَالَهُمْ خُلُوفٌ. فَخَرَجْتُ فِي خَيْلٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى وادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ فَدَفَعْتُ إِلَى قومٍ سراةٍ؛ قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهُمْ سَرَاةٌ؟ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى قبابٍ عظيمةٍ من أَدَم، وقدورٍ متأقةٍ وإبلٍ وَغَنَمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا لعمري عَلامَة السرُور، قَالَ عَمْرٌو: فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَعْظَمِهَا قُبَّةً فَأَكْشِفُهَا عَنْ جاريةٍ مِثْلِ الْمَهَاةِ، فَلَمَّا رَأَتْنِي ضَرَبَتْ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهَا وَبَكَتْ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: مَا أَبْكِي عَلَى نَفْسِي وَلا عَلَى الْمَالِ، فَقُلْتُ: عَلَى أَيِّ شيءٍ تَبْكِينَ؟ قَالَتْ: عَلَى جوارٍ أترابٍ لِي قَدْ أَلِفْتُهُنَّ وَهُنَّ فِي هَذَا الْوَادِي، قَالَ: فَهَبَطْتُ الْوَادِي عَلَى فَرَسِي فَإِذَا أَنَا برجلٍ قاعدٍ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَإِلَى جَانِبِهِ سَيْفٌ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ عَلِمْتُ أَنَّ الْجَارِيَةَ قد خدعتني وَمَا كرتني، فَلَمَّا رَآنِي الرَّجُلُ قَامَ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ، ثُمَّ عَلا رَابِيَةً، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قِبَابِ قَوْمِهِ مَطْرُوحَةٍ حَمَلَ عَلَيَّ وَهُوَ يَقُولُ:

قَدْ عَلِمْتُ إِذْ مَنَحَتْنِي فَاهَا ... وَلَحَفَتْنِي بَكْرَةَ رِدَاهَا

أَنِّي سَأَحْمِي الْيَوْمَ مَنْ حَمَاهَا ... يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي دَهَاهَا

فَقُلْتُ مُجِيبًا لَهُ:

عَمْرٌو عَلَى طُولِ السُّرَى دَهَاهَا ... بِالْخَيْلِ يُزْجِيهَا عَلَى وَجَاهَا

حَتَّى إِذا جلّ بِهَا احْتَوَاهَا

ثُمَّ حَمَلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَقُولُ:

أَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَحْمُودُ الشِّيَمِ ... مُؤْتَمَنُ الْغَيْبِ وَفِيٌّ بِالذِّمَمِ

<<  <   >  >>