للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقلت لَهُ: يَا أَبَت، أَلَيْسَ ذكرت أَنَّك لَا تروي عَن أَبِي يُوسُف؟ فَقَالَ: هَذِه حِكْمَة يَأْخُذهَا العَبْد عَن كل من وجدهَا عِنْده.

الْمجْلس الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ

حَدِيث وَجَبت

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ عَنْ مُوسَى يَعْنِي ابْنَ عُبَيْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَى عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ: وَجَبَتْ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَى عَلَيْهَا بَعْضَ الثَّنَاءِ فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقَالَ نَاسٌ: مَا وَجَبَتْ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، وَمَا شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ مَنْ شَيْءٍ وَجَبَ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ " التَّوْبَة:١٠٥.

تَعْلِيق للْقَاضِي

قَالَ القَاضِي: فَمَا أولى بِالْمَرْءِ الْمُؤمن الناصح لنَفسِهِ الراجي لرَبه، الْخَائِف من غَضَبه أَن يَتَّقِي الله ويهذب سَرِيرَته، ويخلص من الرِّيَاء وَالْفساد عمله، حَتَّى يَجْعَل الله تَعَالَى المقة بعد وَفَاته فِي قُلُوب عباده، فيثني مؤمنهم عَلَيْهِ، غير مسفٍ إِلَى ثنائهم وتزكيتهم فِي حَيَاته، فقد قَالَ جلّ ثناءه: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " مَرْيَم: ٩٦ وَمن فَارق الدُّنْيَا على الطَّرِيق الَّتِي وَصفنَا أظهر الله حَسَنَاته، وأجراها على أَفْوَاه عباده، وَستر مَا خَفِي على النَّاس من مساوئ عمله، أصحبنا الله وَإِيَّاكُم جميل ستره فِي دُنْيَانَا، وَبعد قَبضه إيانا، إِنَّه جواد كريم رؤوف رَحِيم.

صَبر أعرابية يفوق صَبر الرِّجَال حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَمه قَالَ: كَانَ بحمي ضرية عَجُوز من بني أَبِي بكر بْن كلاب يتحدث قَومهَا عَن سروها وعقلها، فَأَخْبرنِي من حضرها وَقد مَاتَ ابْن لَهَا وَقد كَانَ وَاحِدهَا، وَقد طَالَتْ علته فأحسنت تمريضه، فَلَمَّا فاظ قعدت بفنائها وحضرها قَومهَا فاقبلت على شيخ مِنْهُم فَقَالَت: يَا فلَان أَو يَا أَبَا فلَان مَا أَحَق من ألبس الْعَافِيَة وأسبغت عَلَيْهِ النِّعْمَة فاعتدلت بِهِ الْفطْرَة أَن لَا يعجز عَن التويق لفنسه قبل حل عقدته، والحلول بعقوته، والحيال بَينه وَبَين نَفسه، ثُمَّ أنشأت تَقول:

هُوَ ابْني وأنسى أجره لي وعزني ... على نَفسه رب إِلَيْهِ ولاؤها

فَإِن احتسب أَو جر وَإِن ابكه أكن ... كباكيةٍ لم يغن شَيْئا بكاؤها

فَقَالَ الشَّيْخ: إِنَّا لم نزل نسْمع أَن الْجزع إِنَّمَا هُوَ للنِّسَاء فَلَا يأس رجل فِي مصيبته، وَلَقَد كرم صبرك وَمَا أشبهت النِّسَاء، فَأَقْبَلت عَلَيْهِ بوجهها وَقَالَت: إِنَّه مَا خير امْرُؤ بَين جزع وصَبر إِلَّا وجد بَينهمَا نهجين بعيدي التَّفَاوُت فِي حاليتهما، أما الصَّبْر فَحسن

<<  <   >  >>