للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلا أكتمُ الأسرارَ لكنْ أُذِيعُها ... وَلَا أدعُ الأسرارَ تغلِي عَلَى قَلْبِي

وَمَا أَتَى من هَاتين الخليقتين المتضادتين من مَنثور الْأَخْبَار ومنظوم الْأَشْعَار مَا يتعب إحصاؤه، ويمل استقصاؤه، ولعلنا نضمن فِي مجَالِس كتَابنَا هَذَا مِنْهُ مَا يستفيده النَّاظر فِيهِ، إِذَا أَتَى مَا يجرّه ويقتضيه، إِن شَاءَ اللَّه.

وَذكرت من النَّوْع الَّذِي تضَاد فِيهِ فريقان فِيمَا وصف بِهِ كلّ وَاحِد مِنْهُمَا نَفسه، شَيئًا أَحْبَبْت أَن أثْبته فِيمَا هَا هُنَا، وَإِن كَانَ بَابه أوسع من أَن يُستوعى، وَأكْثر من أَن يسْتَغْرق ويستوفى، وَهُوَ مَا روى لَنَا أَن منفوسة بِنْت زَيْدُ الفوارس لمّا أهديت إِلَى قيس بْن عَاصِم قَرِّبت إِلَيْهِ إهداء، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ أكيلي؟ فَلم تدرِ مَا يَقُولُ لَهَا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أيا ابنةَ عَبْد الله وَابْنَة مالكٍ ... وَيَا بنة ذِي الْبُرْدَيْن والفَرَس الوردْ

إِذَا مَا صنعتِ الزَّاد فالتمسي لَهُ ... أكيلا فَإِنِّي لستُ أكلهُ وحدِي

أَخا طارِقًا أَوْ جَارَ بَيْتِ فإنني ... أخافُ مَلامات الأحاديثِ من بعدِي

وَإِنِّي لعبد الضَّيْف مَا غَيْر ذلة ... وَمَا فِي إِلَّا ذَاك من شِيَمِ العبدِ

فَسَمعهُ جَار لَهُ وَكَانَ مبخلا، فَقَالَ:

لبيني وَبَين الْمَرْء قيس بْن عَاصِم ... بِمَا قَالَ بون فِي الفعال بعيد

وَإِنَّا لنجفو الضَّيْف من غَيْر عسرة ... مَخَافَة أَن يغرى بِنَا فَيَعُود

عُقبى الْحسنى

حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن مَالك الشَّيْبَانيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْحُسَيْن بْن قتبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحكم الْأَعْمَى، عَنْ أبي خَالِد بْن مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم، عَنْ أبي عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّادِق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، أنَّ رَجُلا من بني إِسْرَائِيل خَرَجَ فِي بَعْض حَوَائِجه، وَكَانَت لَهُ امْرَأَة فأوصى بهَا أَخَاهُ، وَسَأَلَهُ يتعهدها وَيقوم بحوائجها وَمَا تُرِيدُ، فَكَانَ يَأْتِيهَا فيسألها عَنْ بَعْض حوائجها وَمَا تُرِيدُ، إِلَى أَن رَآهَا فَوَقَعت فِي نَفسه، فَرَاوَدَهَا فَأَبت عَلَيْهِ، فَقَالَ لَها: وَالله لَئِن لَمْ تفعلي لأهلكنك، قَالَت: لَا وَالله مَا أَنَا بفاعلة وَلَا أَنَا متابعتك عَلَى مَا تُرِيدُ فعله فافعل مَا أَنْت فَاعل، فَسكت عَنْهَا إِلَى أَن قَدِمَ أَخُوهُ فَتَلقاهُ وَسَأَلَهُ وحادثه إِلَى أَن جرى ذكرهَا، فَقَالَ: يَا أخي علمت أَنَّهَا راودتني عَنْ نَفسِي وَفعلت وَفعلت؟ فَقَالَ: أَخُوهُ أَي شَيْءٍ تَقول؟ قَالَ: هُوَ وَالله مَا قتل لَك، فَلَمّا قَدِمَ الرَّجُل لَمْ تكن لَهُ همة إِلَّا أَن حملهَا وَلم يسْأَلهَا عَنْ شَيْءٍ تَصْدِيقًا لِأَخِيهِ، فأنزلها لَيْلًا وضربها بِسَيْفِهِ حَتَّى ظن أَنَّهُ قَتلهَا ثمَّ مضى، وَإِن المرأى بَقِي بهَا رَمق، فَقَامَتْ تَدُبُّ إِلَى أَن انْتَهَت إِلَى أصل دير رَاهِب فَسمع أنينها فَأَشْرَف عَلَيْهَا من

<<  <   >  >>