للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَبْيَات فِي التوديع

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: كُنَّا عِنْدَهُ عَشِيَّة - يَعْنِي أَبَا الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يحيى - وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ فِي شوّال، فَجَاءَهُ أَبُو الْحَسَن الأسَدِيُ يودعه فِي خُرُوجه إِلَى مكَّة، فَقَالَ لَهُ: لَوْ كُنَّا نحسن صَنَعْنا عِنْدَ وداعك مَا صنع غَيرنَا، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد عبد الله ابْن شَبِيب: أتيت هِشَام بْن إِبْرَاهِيم الأَنْصَارِيّ لأودعه فِي خرجَة خرجها إِلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ: لَا أودعك حَتَّى أغنيك، فغنى:

وَأَنا بَكَيْت على الفرا ... ق فَهَل بكيتَ كَمَا بكيتُ

ولطمتُ خدِّي خَالِيا ... ومَرَستْهُ حَتَّى اشتفيتُ

وعواذلي ينهينني ... عَمَّن هويتُ فَمَا انتهيتُ

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بعقب هَذَا شَيئًا لَمْ أفهمهُ إِلَّا أَنَّهُ تكلم فِي أَنَا بَكَيْت أَرَادَ أَنَا بَكَيْت بِغَيْر وقُوف عَلَى الْألف. قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيد: فجئتُ إِلَى الزُّبَيْر لأودعه فَحَدَّثته بِحَدِيث هِشَام، فَقَالَ: وَأَنا لَا أودعك حَتَّى أُغني:

أزِف البَيْنُ الْمُبين ... وَجَلا الشكُّ اليَقِينْ

لَمْ أكنْ لَا كنتُ أَدْرِي ... أنَّ ذَا البينِ يكونْ

علموني كَيفَ أشتا ... ق إِذَا خَفَ القطينْ

حَنّتِ الْعِيسُ فأبكي ... من العيسٍ الحَنِينْ

حذف ألف أَنَا فِي الْوَصْل

قَالَ القَاضِي: الْكَلَام الْمَشْهُور: أَنَا فعلت بِغَيْر ألف فِي الْوَصْل، فَإِذا وقف الْمُتَكَلّم قَالَ: أَنَا، فَأثْبت الْألف، وإثباتها فِي الْوَصْل لُغَة قَدْ قرئَ بهَا فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن، وَمِمَّنْ قَرَأَ كَذَلِك نافعٌ فِيمَن وَافقه من أَهْلَ المَدِينَةِ، وَمن هَذِهِ اللُّغَة، قَول الشَّاعِر:

أنَا شَيْخ العَشِيرةِ فاعْرِفُونِي ... حَمِيدا قَدْ تَذرَّيْتُ السّنَاما

نَصَّب حميدا عَلَى الْمَدْح والافتخار، وَقد قَرَأَ بعض الْمُتَقَدِّمين " وَنحن عصبَة " نصبا عَلَى هَذَا النَّحْو من الِاخْتِصَاص والافتخار.

أَبْيَات لسوار يُغني بهَا

حَدَّثَنَا المظفَّر بْن يحيى بْن أَحْمَد الْمَعْرُوف بِابْن الشرابي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن قصر، قَالَ: حَدَّثَنَا الْجرْمِي، قَالَ: دخلتُ حَماما فِي درب الثَّلج، فَإِذا فِيهِ سَوَّارُ بْن عَبْد اللَّه القَاضِي فِي الْبَيْت الدَّاخِل قَد اسْتلْقى وَعَلِيهِ المئزر، فَجَلَست بِقُرْبِهِ فساكتني سَاعَة ثُمَّ قَالَ: قَدْ أحْشَمْتَني يَا رَجُل، فإمَّا أَن تَخْرُجَ أَوْ أخرج فَقلت: جِئْت أَسأَلك عَنْ مَسْأَلَة، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مَوضِع الْمسَائِل، فَقلت: إِنَّهَا من مسَائِل الْحمام، فَضَحِك وَقَالَ: هَاتِهَا، فَقلت: مَنِ الْفَتى الَّذِي يَقُولُ:

سلبتِ عِظَامِي لَحْمَها فَتَرَكْتِهَا ... عَواريَ ممّا نَالَها تتكسرُ

وأخليتِها من مُخِّها فتركتِها ... قواريرَ فِي أجوافها الرّيح تصفرُ

إِذَا سمعتْ ذكرَ الْفِرَاق تراعدت ... مفاصلُها خَوفا لمَا تتنظرُ

خذي يَدي ثُمَّ اكشفي الثَّوْب فانظُري ... بِلَى جَسَدي لكنني أتستّرُ

فَقَالَ سوار: أَنَا وَالله قُلْتُها. قلت: فَإِنَّهُ يُغَنّي بهَا ويجود، فَقَالَ: لَوْ شهد عِنْدِي الَّذِي

<<  <   >  >>