للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض وَقَالَ: " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ " وَمَا أَتَى بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنى من الْكتاب وَالسّنة كثير جدا، وَقد نعى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُم عَلَى عهد نَبينَا صلّى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم من كَفَرة أهلِ الْكتاب مَا كَانَ من قَبْلَ أسلافهم ومَنْ تقادم عَهده من آبَائِهِم أنبياءهم، لرضاهم بذلك ودينونتهم بِهِ، وتوليهم من تولى دونهم فعله، وَإِن لَمْ يدركوه وَلم يباشروا مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ، وَلم تَزل الْعَرَب تفتخر بِمَا أَتَاهُ الماضون من آبَائِهِم، وتتمادح وتتعاير بِهِ، وينسبونه فِي ألفاظهم إِلَى أنفسهم فِي أشعارهم وخطبهم لهَذَا الْمَعْنى، وَهَذَا مَذْكُور عَلَى استقصاء بشواهده فِي كتَابنَا الْمُسَمّى الْبَيَان الموجز عَنْ عُلُوم الْقُرْآن المعجز، وَإِذا كَانَ الْأَمر فِي هَذَا الْفَصْل عَلَى مَا وَصفنَا، فَتبين أنَّ الراضي بِالْفِعْلِ والمؤتى لَهُ والدالّ عَلَيْهِ مشارك لفَاعِله فِيمَا بِكَسْبِهِ من حمد أَوْ ذمّ، أَوْ أجرٍ أَوْ إِثْم، وَلذَلِك أشرك رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ من تولّى الْحَج من غَيره وَبَين من أوصى بِهِ، وَبَين من نفذه فِي الْأجر، وَبَين آكل الرِّبَا ومؤكله وكاتبه وَشَاهده فِي الْوزر، وَبَين العاصر والمعتصر، وَالْبَائِع وَالْمُشْتَرِي، وَالْحَامِل والمحمول إِلَيْهِ والساقي والشارب فِي اللَّعْنَة الَّتِي أوقعهَا فِي الْخمر، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ كَتَمَ عَلَى غَالٍّ فَهُوَ مثله " وَجَاء فِي الكاتم عَلَى السَّارِق سَرقته أَنَّهُ يشركهُ فِي عارها وإثمها، وَهَذَا الْبَاب أَكثر من أَن يُحصى، وَلم يزل ذَوُو النَّهْي وأولو البصائر والحجى يبعثون عَلَى إتْيَان المحاسن وَفعل المكارم ويحضون عَلَيْهَا، فَيحسن الذّكر لَهُمْ وَالثنَاء عَلَيْهِمْ، ويتوفر من جميل الأحدوثة عَنْهُمْ مَا يرى كثيرا عَلَى من بَاشر الْفِعْل بِنَفسِهِ، وبذل فِي الْعرف خَاصَّة مَاله، وَللَّه در الْقَائِل:

وَإِذا امرؤٌ أَهدى إِلَيْكَ صَنِيعة ... من جاهه فكأنّها من مَالِه

وَقد حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق بْن سَعِيد بْن الْحَارِث الْعقيلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن رَاهَوَيْه الْكَاتِب، قَالَ: كتب إليَّ سهل بْن صَالح الْحلْوانِي أنَّ الْحَسَن بِن سهل كتب لرجل شَفَاعَة، فَقَالَ الرَّجُل يَدْعُو لَهُ ويشكره فَقَالَ لَهُ الْحَسَن، عَلَى مَا تشكرنا وَنحن نرى كتب الشفاعات زكاةُ مروءاتنا، وَأنْشد:

فَرَضَتْ عليَّ زكاةُ مَا مَلَكَتْ يَدِي ... وزكاةُ جاهي أَن أُعينَ وأشْفَعَا

فَإِذا ملكَت فَجُدْ وَإِن لَمْ تستطعْ ... فاجهدْ بوُسْعِك كلِّهِ أَن تنفعا

هَكَذَا أمل عَلَيْنَا أَبو النَّضْر هَذَا الْخَبَر من حفظه، فَقَالَ فِيهِ: فَقَامَ إِلَيْهِ يَدْعُو لَهُ ويشكره، وَقَالَ: عَلَى مَا تشكرنا؟ والفصيح من كَلَام الْعَرَب فَشكر لَهُ، تَقول الْعَرَب: شكرت النِّعْمَة وشكرت للمنعم، قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَاشْكُرُوا نعْمَة اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وَقَالَ: " قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ " وَقَالَ تَعَالَى ذكره: " وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تكفرون وَقَالَ: " أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ " وَقد جَاءَ:

<<  <   >  >>