للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ القَاضِي: أمْلَى عَلَيْنَا أَبُو بَكْر بْن الأنبَاريّ هَذَا الْخَبَر فِي إِثْر

خبر الْوَاقِدِيّ مَعَ يحيى بْن خَالِد، وَهُوَ يضارع هَذَا الْخَبَر فِي الْجُمْلَة ويناسبه، وَأَنا ذاكره، إِن شَاءَ اللَّه.

خبر الْوَاقِدِيّ مَعَ يحيى بْن خَالِد

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا عَامر ابْن عِمْرَانَ بْن زِيَاد، أَبُو عِكْرمة الضَّبِّيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الْعَنْبَري، عَنْ أبي عَبْد اللَّه الْوَاقِدِيّ، قَالَ: كنتُ حَنّاطًا بِالْمَدِينَةِ أضارب بِمِائَة ألف دِرْهَم من مَال النّاس قِبَلي، فلزمني وضائع فشخصتُ إِلَى بَغْدَاد وقصدتُ يحيى بْن خَالِد الْبَرْمَكِي، فَجَلَست فِي دهليزٍ وآنست الخَدَم والحاشية، وعَرَّفْتُهم حَاجَتي إِلَى الْوُصُول إِلَيْهِ، فَقَالَ لي بَعضهم: إِذَا وُضع الطَّعَام لَمْ يُحْجَبْ عَنْهُ أحد، فَحِينَئِذٍ أَدخل فأجلسك مَعَه عَلَى الْمَائِدَة، فَفعل بِي ذَلِكَ، وسألني يحيى عَنْ خبري فشرحته لَهُ، فَلَمّا غسلنا أَيْدِينَا دَنَوْت مِنْهُ أقبل رَأسه فاشمأزّ منّي، فَلَمّا صرت إِلَى الْموضع الَّذِي يركب مِنْهُ إِذْ قَدْ لَحِقَنِي خَادِم بكيس فِيهِ ألف دِينَار، فَقَالَ: الْوَزير يَقْرَأ عَلَيْكَ السّلام وَيَقُول لَك: اسْتَعِنْ بِهَذَا على أَمرك، فَأخذت وعدت فِي الْيَوْم التَّالِي فأجْلِسْتُ مَعَه عَلَى الْمَائِدَة، فَسَأَلَنِي عَمَّا سَأَلَني فِي الْيَوْم الْمَاضِي، كَأَنَّهُ لَمْ يرني، فَلَمّا غسلنا أَيْدِينَا دَنَوْت لأقبل رَأسه فاشمأزَّ من ذَلِكَ، فَلَمّا صرتُ إِلَى مَوضِع الرّكُوب لَحِقَنِي الخادمُ بِمثل ذَلِكَ الْكيس وَمثل تِلْكَ الرسَالَة، فَأَخَذته وانصرفت، وَفعل بِي فِي الْيَوْم الثَّالِث مثل ذَلِكَ، فَلَمّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع وغسلنا أَيْدِينَا دنوتُ لأقبل رَأسه فَلم يشمأز من ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّمَا امْتنعت من هَذَا فِيمَا مضى لأنَّه لَمْ يكن وصل إِلَيْكَ من معروفنا مَا يَحْتمل هَذَا، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَام! سلم إِلَيْهِ الدَّار الْفُلَانِيَّة، يَا غُلَام! أفرشه الْفرش الْفُلَانِيّ، ثُمَّ قَالَ: ادفعوا إِلَيْهِ مائَة ألف دِرْهَم توجّه فِي قَضَاء دينك واحمل عِيَالك إِلَى حضرتنا، فَقتل: إِن رَأْي الْوَزير أَن يَأْذَن لي فِي الشخوص لأسلِّم إِلَى غُرمائي حُقُوقَهم فَأَنا بهم أعرف، وأدم بعيالي فَأَنا بهم أَرْفَق. فَقَالَ: فَلا تتأخر عَنا، وَأمر لي بجائزة أُخْرَى للشخوص، فَقدمت المَدِينَةِ فقضيتُ دَيْني وقدمت بعيالي، وَلم أزل فِي ناحيته ومنقطعًا إِلَيْهِ.

قَالَ القَاضِي: وَقد رُوينا فِي هَذَا الْمَعْنى من أَبْوَاب المكارم مَا يعودُ من مَحْمُود مغبتها وَحسن عَاقبَتهَا، وَجَمِيل الأحْدُوثة عَنْ أَهلهَا وَيَأْتِي بالثناء عَلَيْهِمْ، وَإِن تصرمت أزمانهم ففقدت أعيانهم، وَقد جَاءَ فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: " وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صدقٍ فِي الآخرين " أَنَّهُ الثَّنَاء الْحَسَن، وَقد قَالَ حَاتِم:

أماويَّ إِن المَال غادٍ ورائحٌ ... ويَبقي من المَال، الأحاديثُ والذكرُ

وَقَالَ آخر:

ثَمَنُ الْإِحْسَان شكرُ ... ويدُ المعروفُ ذخرُ

<<  <   >  >>