للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون معنى منشور: مُحْيًا، وَفِي هَذَا الْوَجْه لُغَتَانِ يُقَالُ: أنشر اللَّه الْمَيِّت إنشارًا فنشر هُوَ نُشُورًا، وَهَذِه أعْلى اللغتين، وأكثرهما وأفصحهما وأظهرهما وَبهَا جَاءَ التَّنْزِيل، قَالَ اللَّه تَعَالَى ذكره: " ثُمَّ إِذَا شَاءَ أنشر "، يُقَالُ من هَذِهِ اللُّغَة: أنشره اللَّه وَهُوَ منشره، وَنشر الْمَيِّت فَهُوَ ناشر، قَالَ الْأَعْشَى:

لَوْ أَسْنَدَت مَيْتًا إِلَى نَحْرِهَا ... عَاشَ وَلم يُنْقَلْ إِلَى قابرِ

حَتَّى يَقُولَ النّاس ممّا رَأَوْا ... يَا عَجَبًا للمَيِّتِ الناشرِ

وَقَالَ اللَّه أصدق الْقَائِلين: " أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً من الأَرْض هم ينشرون " واللغة الثَّانِيَة: نَشَر الْمَيِّت فَهُوَ منشور، وَهُوَ أقل اللغتين، وَكثير من أَهْلَ الْعلم لَا يعرفهَا وَقد حُكيَت لَنَا، وَمِمَّنْ حَكَاهَا أَبُو بَكْر بْن دُريد، وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: " وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشرها "، فَأَتَت فِيهَا ثَلَاث قراءات، نُنْشِرُها بِضَم النُّون وَالرَّاء بِمَعْنى نحييها، كَمَا قَالَ عزَّ ذكره: " قَالَ من يحي الْعِظَام وَهِي رَمِيم " ونَنْشُرُها بالراء أَيْضا بِفَتْح النُّون، وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَة وَجْهَان من التَّأْوِيل، أَحدهمَا النشر الَّذِي هُوَ خلاف الطي، وَالْآخر حمله عَلَى لُغَة من يَقُول: نر الله الْمَيِّت فنشر، مثل جبر اللَّه فجبر، كَمَا قَالَ العجاج: قَدْ جَبَر الدِّينَ الإِلَهُ فَجَبَرَ وَمثله: فغرتُ فَاه ففغر إِذَا فَتحته فانفتح، وَمثله: شحا فَاه وشَحَا فُوه.

وَالْقِرَاءَة الثَّالِثَة: نُنْشِزها بالزاي بِضَم النُّون أَي نرفع بَعْضهَا إِلَى بَعْض واستقصاء الْكَلَام فِي مَعَاني هَذِهِ الْقرَاءَات وَتَسْمِيَة الْقُرَّاء بهَا وَبَيَان مَا يخْتَار مِنْهَا يطول، وَهُوَ مرسوم فِيمَا ألفناه من كتبنَا فِي الْقرَاءَات وعلوم الْقُرْآن عَلَى الشَّرْح وَالْبَيَان.

وَمِمَّا جَاءَ فِي حَسَن الثَّنَاء مَا أنشدناه عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الأَزْدِيّ، قَالَ: أنشدنا أَبُو بَكْر بْن أبي الدُّنْيَا، قَالَ: أَنْشدني أَبُو جَعْفَر الْقُرَشِيّ:

كُلُّ الْأُمُور تَزُولُ عَنْكَ وتَنْقَضِي ... إِلَّا الثّنَاءَ فَإِنَّهُ لَك باقِ

وَلَو أنني خُيرت كلُّ فَضِيلَة ... مَا اخترتُ غير محَاسِن الأخلاقِ

وَقد روينَا فِي بذل الْعَطاء وَمَا ينْتج من حَسَن الثَّنَاء مَا لَمْ نر إطالة هَذِهِ الْمجْلس بِهِ، لأَنا بنينَا كتَابنَا هَذَا عَلَى تَضْمِينه أنواعًا منثورة، وَغير جَارِيَة عَلَى أَبْوَاب مَجْمُوعَة محصورة، لِئَلَّا تَتَفَاوَت مجَالِس الْكتاب فِي الطول وَالْقصر، وَنحن نأتي من هَذَا الْبَاب فِيمَا نستقبله من هَذِهِ الْمجَالِس مَا يتَّفق ويحضر أَولا أَولا، إِن شَاءَ اللَّه.

حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد، قَالَ: أَخْبَرَنَا التوزي، عَنْ أبي عُبَيْدة، قَالَ: لمّا بلغ حَاتِم طييء قَول المتلمس:

قَليِلُ المالِ تُصْلِحُهُ فيبْقَى ... وَلَا يبقَى الكثيرُ عَلَى الفسادِ

وحفظُ المَال خيرٌ من فناهُ ... وعسفٌ فِي الْبِلَاد بغَيْرِ زَاد

<<  <   >  >>