للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَا أيُّها الباكي على شاته ... يبكي جهارًا غير إسرار

إنّ الرزيّاتِ وأشباهَهَا ... مَا غادر الحارثُ فِي الدَّار

والْحَارث الَّذِي يَقُول:

المرءُ يأمُلُ أَن يعيشَ وطولُ عيشٍ قد يضرُّه

تَفْنَى بشاشتُهُ وَيبقى بعد حُلْوِ العيشِ مرُّه

وتسوءه الْأَيَّام حَتَّى لَا يرى شَيْئا يسرّه

كم شامتٍ لي إِن هلكتُ وقائلٍ للهِ دَرُّه

الحطيئة يعجب بِابْن عَبَّاس

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ سَعِيدٍ الْكَلْبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيّا قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَظَرَ الْحُطَيْئَةُ إِلَى ابْنِ عبّاسٍ فِي مَجْلِسِ عُمَرَ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ كَلَامه، فَقَالَ: من الَّذِي قَدْ نَزَلَ عَنِ الْقَوْمِ فِي سنِّه وَعَلاهُمْ فِي قَوْلِهِ؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ، هَذَا ابْن عَم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

إِنِّي وَجَدْتُ بَيَانَ الْمَرْءِ نَافِلَةً ... تُهْدِي لَهُ وَوَجَدْتُ العيَّ كالصَّمم

الْمَرْءُ يَبْلَى وَيَبْقَى الْكَلْمُ سَائِرُهُ ... وَقَدْ يُلامُ الْفَتَى يَوْمًا وَلَمْ يُلَمِ

الكَلْم والكَلِم

قَالَ القَاضِي: قَوْله " وَتبقى الْكَلم ": الْكَلم هَا هُنَا جمع كلمة، وأصلُ الْكَلم بِكَسْر اللَّام فسكنه تَخفيفًا لإِقَامَة وزن الْبَيْت كَمَا قَالُوا فِي مَلِك ملك، وفخذ وكَبِد. قَالَ الله تَعَالَى: " يُحَرِّفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه " " الْمَائِدَة: ١٣ ". وَقد رُوِيَ عَن تَميم بن حدلم أنَّهُ قَرَأَ: " تُحَرِّفُونَ الكلامَ ". وَقد قَرَأَهُ عُلَمَاء الْأَمْصَار " يُرِيدُونَ أَنْ يبدّلوا كَلَام الله " " الْفَتْح: ١٥ " و " كلم اللَّه ". ومِمَّا قيل فِي هَذَا وَهُوَ مِمَّا يُستحسن لبَعض الْمُحدثين:

قَالَت عييتَ عَن الشكوى فقلتُ لَهَا ... جَهْد الشكايةِ أَن أعَيْا عَن الكَلِم

فأمَّا الْكَلم الّذين عيْنُ فعلِهِ سَاكِنة فِي أصل بنائِهِ فَإِنَّهُ مصدر كَلَمه يكلمهُ كَلْمًا، بِمعنى جرحه يَجرحه جرحا كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

لعمرك إنّ الدَّار غفرٌ لذِي الْهوى ... كَمَا يَغْفِرُ المحمومُ أَو صاحبُ الكَلْمِ

يَعْنِي إِن ذَا الْهوى يَهْتَز لذكرها كَمَا يَهْتَز المحموم والمكلوم أَي الْمَجْرُوح ويهتران. ويجمعُ الكَلْم كلَاما مثل جَرْح وجراح، وَجمع فَعْل على فِعَال كَثِير جدًّا فِي الْقلَّة مثل كلب وكلاب وَسَهْم وسِهام، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

أجدَّك مَا لعينك لَا تنامُ ... كأنّ جفونها فِيهَا كِلامُ

وَرُوِيَ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَا من أحدٍ يُكْلَمُ كلما فِي سَبِيل الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا جَاءَ

<<  <   >  >>