للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْأَمِير، إنَّهم لَو نسبوا إِلَى الْبَحْرين فَقَالُوا بحريّ لَمْ يُعرف إِلَى الْبَحْرين نسبوه أم إِلَى الْبَحْر، وَلما جَاءُوا إِلَى الحصنين لَمْ يكن مَوضِع آخر يُقال لَهُ الْحصن ينْسب إِلَيْهِ غير الحصنين فَقَالُوا: حصني. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: فَسمِعت الْكِسَائي يَقُول لعمر بن بزيع، وَكَانَ حَاضرا: لَو سَأَلَني الْأَمِير لأخبرته بعلَّةٍ هِيَ أحسنُ من هَذِه. قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَقلت: أصلح الله الْأَمِير إِن هَذَا يزْعم أنَّكَ لَو سَأَلته لأجابَ بِأَحْسَن مِمَّا أجبتُ بِهِ. قَالَ: فقد سَأَلته، فَقَالَ الْكِسَائي: إنَّهم لَمّا نسبوا إِلَى الحصنين كَانَت فِيهِ نونان، فَقَالُوا حصنيّ فاجتزءوا بِإِحْدَى النونين عَن الْأُخْرَى، وَلم يكن فِي الْبَحْرين إِلَّا نون وَاحِدَة فَقيل بحراني، فقلتُ: أصلح الله الْأَمِير كَيفَ ينْسب رجلا من بني جنان؟ يلْزمه أَن يَقُول جنّي لِأَن فِي جنّان نونين، فَإِن قَالَ ذَلِكَ فقد سوَّى بَينه وَبَين الْمَنْسُوب إِلَى الجنّ. قَالَ الْمهْدي: فتناظرا فِي غير هَذَا، قَالَ: فتناظرنا فِي مساءل حُفِظَ قولي وَقَوله فِيهَا قَالَ: إِلَى أَن قلت: كَيفَ تَقُولُ إِن من خير الْقَوْم أَو خَيرهمْ بتة فقلتُ: أعزّ الله الْأَمِير لِأَن يُجيبَ فيُخطئ فيتعلّم أحسن من هَذِه الإطالة، قَالَ فَقَالَ: إِن من خير الْقَوْم أَو خيرُهم نِيَّة زيدا، قَالَ: فقلتُ: أصلح الله الْأَمِير مَا رَضِي أَن يلحن حَتَّى لحن وأحال، قَالَ: كَيفَ؟ قَالَ قلت: لرفعه قبل أَن يَأْتِي بِالِاسْمِ ونصبه بعد رَفعه، قَالَ: فَقَالَ شيبَة بن الْوَلِيد: أَرَادَ بأوبل، قَالَ: فقلتُ: هَذَا تَعْنِي، فَقَالَ الْكِسَائي: مَا أردتُ غيرَ ذَلِكَ، قَالَ فَقلت: قد أَخطَأ جَميعًا أيّها الْأَمِير، لَو أَرَادَ بأوّبل لرفع زيدا لِأَنَّهُ لَا يكون بَلْ خيرُهم زيدا. قَالَ فَقَالَ لَهُ الْمهْدي: يَا كسائي لقد دخلت إليَّ مَعَ سَلمَة النَّحْوِيّ وَغَيره فَمَا رَأَيْت كَمَا أَصَابَك الْيَوْم. ثُمَّ قَالَ الْمهْدي: هَذَانِ عالِمان وَلَا يقْضي بَينهمَا إِلَّا أعرابيٌّ فصيح تُلْقَى عَلَيْهِ الْمسَائِل الَّتِي اخْتلفَا فِيهَا فيُجيب.

قَالَ: فبعثَ إِلَى فصيح من فصحاءِ الْأَعْرَاب. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: فَإلَى أَن يَأْتِي الْأَعرَابِي أطرقت، وَكَانَ الْمهْدي محبًّا لأخواله، وَمَنْصُور بن يزِيد بن مَنْصُور خَاله حَاضرا. قَالَ فقلتُ: أصلح الله الْأَمِير كَيفَ يُنشدُ هَذَا الْبَيْت من هَذِه القصيدة:

يَا أيُّها السائلي لأخبر ... عَمَّن بصنعاءَ من ذَوي الحَسَبِ

حمير سادتها تقرُّ لَهَا ... بالفضلِ طرًّا جحاجحُ العربِ

وإنّ من خَيرهمْ وَأكْرمهمْ ... أَو خَيرهمْ بتةً أَبُو كَرِبِ

فَقَالَ الْمهْدي: كَيفَ تُنشد أَنْت؟ قَالَ فقلتُ: أَو خيرَهم بتةً أَبُو كرب على معنى إِعَادَة " إنَّ ". قَالَ فَقَالَ الْكِسَائي: هُوَ قَالَهَا السّاعة أصلح اله الْأَمِير.

قَالَ: فتبسَّم الْمهْدي وَقَالَ إنَّك لتُجيدُ لَهُ وَمَا تَدْرِي. قَالَ: ثُمَّ طلع الْأَعرَابِي الَّذِي بُعِثَ إِلَيْهِ فألقيتُ الْمسَائِل عَلَيْهِ، وَكَانَت ستَّ مسَائِل، فأجابَ عَنْهَا كلهَا بِقَوْلِي. قَالَ: فاستفزّني السرُور حَتَّى ضربتُ بقلنسوتي الأَرْض وَقلت: أَنا أَبُو مُحَمَّد. قَالَ فَقَالَ شيبَة بن الْوَلِيد:

<<  <   >  >>