للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدَ ذكره مَا أحله من النقمَة بأعدائه: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ " بِمَعْنى الْعجب ممّا حلّ بهم عِنْدَمَا كَانَ من تكذيبهم رُسُلَ رَبهم.

وأمّا الْعبارَة بِالْآيَةِ عَنِ الْعُقُوبَات المنكَّلة فكثيرةُ فِي كَلَام الْخَاصَّة من أَهْلَ اللِّسَان الْعَرَبِيّ كَقَوْلِهِم: قَدْ جُعل فلَان آيَة، إِذا جلّ بِهِ فظيع من الْمَكْرُوه أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ لمن نزل بِهِ شَيْءٍ من هَذَا بِهِ، أَوْ حصل عَلَى صفة مذمومة يُعيَّر بهَا وَيُسَبُّ ويُوصم بهَا: فلانٌ آيةٌ منزلَة، فَأَما الْعِقْد الْجَامِع لهَذِهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة الَّذِي يردُّها إِلَى جملَة وَاحِدَة، فَهُوَ أنَّ العَلامَة إنّما قيل لَهَا لدلالتها وفضلها وإبانتها، وَوَقع الْفَصْل فِي الْقُرْآن بهَا حَتَّى تميزت بَعْض أَلْفَاظه من غَيرهَا، فَصَارَت كلّ قِطْعَة من ذَلِكَ جملَة عل حَالهَا.

وأمّا معنى الأعجوبة فَإِنَّمَا يَقع فِي التعجُّبُ من المستغرب الَّذِي يقل وُقُوعه، فينفصل من الْكثير الْوُجُود الَّذِي يخْتَلط فِيهَا بعضه بِبَعْض، وَلَا يكون فِيهِ من الِاخْتِصَاص مَا فِي الْمَوْجُود الَّذِي قدمنَا ذكره.

وأمّا النكال الحالّ بِمن حل بِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ آيَة، من حَيْث مَسَارُ أمره أعْجوبة يُعتبر ويتعظ بهَا، وَكَانَ معنى خَاصّا قُوبل بِهِ أمرٌ خاصٌّ بِمَا أَتَاهُ من وَقعت المجازاة بِهِ، فَكل وَاحِد من هَذِهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة مجانس لصَاحبه فِي أَنَّهُ أَمارَة وعلامة وأعجوبة لاختصاصها بِمَا فِيهِ حجَّة باهرة، وَدلَالَة قاهرة، ومثلة ونقمة لما فِيهِ من التميز وَالْعجب وفظيع التنكيل، بِأَهْل الزيغ والتبديل.

وأمّا الأضرب الثَّلَاثَة من قبل النَّحْو وتصريف الْإِعْرَاب، فَإِن النَّحْوِيين من الْكُوفِيّين والبصريين اخْتلفُوا فِي الْآيَة مَا وَزنهَا من الْفِعْل، فَقَالَ الْكسَائي: هِيَ فِي الأَصْل فاعلة وَأَصلهَا آيية، وَكَانَ يَنْبَغِي أنَّ تُدْغَم الْيَاء الأولى فِي الثَّانِيَة لاجتماعهما متحركتين فَتَصِير آيَة مثل دابَّة الَّتِي أَصْلهَا دَابِيَة، فاستثقلوا التَّشْدِيد فَقَالُوا: آيَة.

وَقَالَ نحويو الْبَصْرَة: وَزنهَا فِي الأَصْل فَعَلَة وَأَصلهَا أَيَيَة، فَصَارَت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا. وَقَالَ الْفراء: وَزنهَا من الْفِعْل فعلة وَأَصلهَا أيَّة، فاستثقلوا التَّشْدِيد فأتبعوه مَا قبله فَصَارَت الْيَاء الأولى ألفا كَمَا قَالُوا: ديوَان ودينار وَالْأَصْل فِيهَا دوان ودنار، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِي جمعهَا دواوين ودنانير، وَلَا يَقُولُونَ دياوين وديانير، وَيجمع الْآيَة آيَات عَلَى جمع السَّلامَة، وآيًا عَلَى أَنَّهَا من الْقَبِيل الَّذِي سبق جمعه واحدَة فَصَارَ بَيْنَ توحيده وَجمعه الْهَاء الَّتِي فِي واحده. وَقد زعم قومٌ أنَّ معنى الْآيَة: الْجَمَاعَة، وَهَذَا قَول رَابِع لِأَنَّهُ خطأ، وَالْبَيَان عَنهُ أصل اشتقاق الْآيَة بِمَا بَيْنَ الْخَلِيل وسيبويه والأخفش فِيهِ من الِاخْتِلَاف فِي تَقْدِير مَدَّته وتصريفه، واستيعاب بَابه يَأْتِي فِي كتَابنَا الْمُسَمّى الْبَيَان الموجز، عَنْ عُلُوم الْقُرْآن المعجز إِن شَاءَ الله عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَوله عَلَيْهِ السّلام: " وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حرج " فإنّ الحَرَج أصلُه فِي كَلَام الْعَرَب:

<<  <   >  >>