للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّعْلِيق عَلَى الحَدِيث

قَالَ القَاضِي: قَدْ نَبّه النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَر عَلَى أنَّ هَذَا الْعدَد من الْإِبِل قصدٌ من المَال، وَأَشَارَ بمدحه فِيهِ إِلَى من نحر السمين مِنْهَا وَحمل عَلَى النجيب، فدلّ عَلَى فضل من نحر المَال لسبل الْمَعْرُوف ووجوه الْبر، وَأَوْمَأَ إِلَى التَّرْغِيب فِي قرى الضَّيْف وإنفاق أَعلَى الظّهْر وَبث المكارم العائدة بِالْأَجْرِ وَجَمِيل الذّكر، وَلم يزل الألباءُ يؤثرون بذل النوال وإفاضة الإفضال، تَزَوُّدًا ليَوْم الْعرض، وصيانة للعرض، ورغبة فِي إِحْرَاز الذّكر، وحُسن القالة وَجَمِيل الذّكر، عَلَى تشعب الْأُمُور الباعثة لَهُمْ عَلَى كريم السخاء وشريف العطايا.

فَمن جُود مَعْن بْن زَائِدَة

حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْحَسَن بْن عَليّ بن مَالك اليباني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزِيد النَّحْويّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَعْنَب، قَالَ: قَالَ سَعِيد بْن سلم: لمّا وَلّي الْمَنْصُور معن بْن زَائِدَة أَذَرْبَيْجان قَصده قَوْمٍ من أَهْلَ الْكُوفَة، فَلَمَّا صَارُوا بِبَابِهِ اسْتَأْذنُوا عَلَيْهِ فَدخل الْآذِن فَقَالَ: أصلح اللَّه الْأَمِير بِالْبَابِ وَفد من أَهْلَ الْعرَاق، قَالَ: من أيِّ الْعرَاق؟ قَالَ: من الْكُوفَة، قَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَنظر إِلَيْهِم معنٌ فِي هَيْئَة زَرِيَّة، فَوَثَبَ عَلَى أريكته وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

إِذَا نَوْبَةٌ نابتْ صديقك فاغْتَنِمْ ... مَرَمّتَها فالدهرُ بِالنَّاسِ قُلّبُ

فأحسنُ ثوبيكَ الَّذِي هُوَ لابسٌ ... وأفْره مُهريك الَّذِي هُوَ يركب

وبادر بمعروفٍ إِذَا كنت قَادِرًا ... زَوَال اقتدارٍ أَوْ غنى عَنْكَ يُعقِبُ

قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُل من الْقَوْم، وَقَالَ: أصلح اللَّه الْأَمِير، أَلا أنْشدك أحسن من هَذَا؟ قَالَ: لمن؟ قَالَ: لِابْنِ عمك ابْن هرمة، قَالَ: هَات، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

وللنفس تاراتٌ تَحَلُّ بهَا العرى ... وَتَسْخُو عَنِ المَال النُّفُوس الشحائح

إِذا المرءُ لمن ينفعْك حَيًّا فنفعُه ... أقلُّ إِذَا ضُمّت عَلَيْهِ الصفائحُ

لأية حالٍ يمنعُ الْمَرْء مالَهُ ... غَدا فغدا والموتُ غاد ورائحُ

قَالَ معن: أحسن وَالله وَإِن كَانَ الشّعْر لغيرك، يَا غُلَام! أعطهم أَرْبَعَة آلَاف يستعينوا بهَا عَلَى أُمُورهم إِلَى أَن يتهيأ لَنَا فيهم مَا نُرِيد، فَقَالَ الْغُلَام: يَا سَيِّدي! أجعلها دَنَانِير أم دَرَاهِم، فَقَالَ معن: وَالله لَا تكون همتك أرفع من همتي، صفّرها لَهُمْ.

وَمن سخاء يزِيد بْن الْمُهلب

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن يُونُس بْن أبي اليسع، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أبي الْحَارِث، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَدَائِنِي، قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى يزِيد بْن الْمُهلب فامتدحه، فَأَحْمَد عقله وفصاحته فَجعله أحد ندمائه، وَكَانَ ينْصَرف فِي كلّ يَوْمَ من عطيته بِمِائَة دِينَار، فَلَمّا أَرَادَ الرحيل والانصراف إِلَى أَهله أَمر لَهُ بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار، ثمَّ قَالَ: إِن - وَالله - مَا أستقلُّها تَكَبُرا وَلَا أستكثرها

<<  <   >  >>