للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضُلالا، وَمَا أَنْبَتَ الشَّعْرَ عَلَى رؤوسنا إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ، وَمَا أعزَّنا بِمَا تَرَى إِلا رَحِمُهُمْ وَرِيحُهُمُ الطَّيِّبَةُ، وَاللَّهِ لَا كلَّمتك كَلِمَةً أَبَدًا، أَوْ تَجِيئَنِي بِالرِّضَا مِنْهُ، وتسلَّ سَخِيمَتَهُ. قَالَ: فَمَضَى الْحَجَّاجُ مِنْ فَوْرِهِ، فَأَلْفَاهُ وَهُوَ يتغدَّى مَعَ أَصْحَابِهِ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَتَى بِرِسَالَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأْذَنْ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَنِي أَنْ أسلَّ سَخِيمَتَكَ، وَأَقْسَمَ أَنْ لَا يُكَلِّمَنِي أَبَدًا حَتَّى آتِيَهُ بِالرِّضَى مِنْكَ، وَأَنَا أحبُّ، بِرَحِمِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلاَّ عَفَوْتَ عَمَّا كَانَ، وَغَفَرْتَ ذَنْبًا إِنْ كَانَ. فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ عَلَى شَرِيطَةٍ فَتَفْعَلَهَا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَلَى صُرْمِ الدَّهْرِ. قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ الْحَجَّاجُ فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: جِئْتُ بِرِضَاهُ وَسَلَلْتُ سَخِيمَتَهُ وَأَجَابَ إِلَى مَا أُحِبُّ وَهُوَ أَهْلُ ذَلِكَ. قَالَ: فأيُّ شيءٍ آخِرُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ قَالَ: رَضِيَ عَلَى شَرِيطَةٍ، عَلَى صُرْمِ الدَّهْرِ، فَقَالَ: شنشنةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ، انْصَرِفْ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: أَتَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَرَضِيتَ وَأَجَبْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: ثُمَّ مَالَ إِلَيْهِ فَقَالَ: هَلْ تَحْفَظُ مَا سَأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا مَنَعَنِي أَن أبثه غياه إِلا مَقْتِي لَهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ ثَمُودَ. فَضَحِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ ثُمَّ قَالَ: يَا سُلَيْمَانُ - لِغُلَيْمٍ لَهُ - كَاتِبًا وَدَوَاةً وَقِرْطَاسًا، قَالَ: فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا فَرَغَ مِنْ وِتْرِهِ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَاجَتِي الْعُظْمَى الَّتِي إِنْ قَضَيْتَهَا لَمْ يضرَّني مَا مَنَعْتَنِي، وَإِنْ مَنَعْتَنِي لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي. فَكَّاكَ الرِّقَابِ، فكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، ربِّ مَا أَنَا إِنْ تَقْصِدَ قَصْدِي بِغَضَبٍ مِنْكَ يَدُومُ عليَّ، فوعزَّتك مَا يُحَسِّنُ مُلْكِكَ إِحْسَانِي، وَلا تُقَبِّحُهُ إِسَاءَتِي، وَلا يُنْقِصُ مِنْ خَزَائِنِكَ غِنَايَ، وَلَا يُزِيدُ فِيهَا فَقْرِي. يَا مَنْ هُوَ هَكَذَا اسْمَعْ دُعَائِي وَأَجِبْ نِدَائِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَارْحَمْ غُرْبَتِي وَوَحْشَتِي وَوِحْدَتِي فِي قَبْرِي، هَا أَنَا ذَا يَا ربِّ بِرُمَّتِي. وَيَأْخُذُ بِتَلابِيبِهِ ثُمَّ يَرْكَعُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: حَسَنٌ وَاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

شُرُوح وتعليقات

قَالَ القَاضِي: قَول مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَلَيْهِ السَّلام: " أسمعني كلَاما تكمشتُ لَهُ " أَي انقبضتُ مِنْهُ، يُقَال لما تغضَّن وتشنّج من الْفَاكِهَة وَغَيرهَا قد تكمّش فَهُوَ متكمّش. وَقَوله: " ذكر أبي بِكَلَام تقمّعت لَهُ " يُقال: قد تقمَّع الرجل وانقمعَ إِذا انخزلَ وانكسر. وَقَول عبد الْملك: " يَا لكع " يريدُ يَا عبد أَو يَا لئيم. وَقَوله " " وهراوة البقّار " يَعْنِي عصار الرَّاعِي الَّتِي يذودُ بِهَا الْبَقر، يُرِيد أَنَّهُ لَا يصلح إِلَّا لأداني الْأُمُور. وَمَا رواهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة من قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السّلام فِي دَعَاهُ: " هَا أَنَا ذَا يَا ربٌ برمّتي " العربُ تَقُولُ: أَخذ فلَان كَذَا وَكَذَا برمَّته، يُرِيدُونَ أَخذه كلّه واستوفاهُ وَلم يُغادر شَيْئا مِنْهُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلهم أَخذه بأسره، والأسرُ الْقَيْد، وَبِه سُمّي الأسيرُ أَسِيرًا وَهُوَ الْآخِذ بِمعنى الْمَأْخُوذ، وَكَانُوا يشدّونه بالقدِّ إِذا

<<  <   >  >>