للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْعَبَّاس بْن بكار قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدِينِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ حُذَافَةَ قَالَ: حَبَسَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ غُلامًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ فِي جِنَايَةٍ جَنَاهَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَتْهُ جَدَّةُ الْغُلامِ أمُّ أَبِيهِ، وَهِيَ أُمُّ سِنَانٍ بِنْتُ خَيْثَمَةَ بْنِ خَرَشَةَ الْمَذْحِجِيَّةُ، فَكَلَّمَتْهُ فِي الْغُلامِ فَأَغْلَظَ لَهَا وَزَبَرَهَا. فَخَرَجَتْ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهَا، فَلَمَّا جَلَسَتْ قَالَ: يَا بِنْتَ خَيْثَمَةَ، مَا أَقْدَمَكِ أَرْضِي وَقَدْ عَهِدْتُكِ تَشْنَأِينَ قُرْبِي، وَتَحُضِّينَ عَلَيَّ عَدُوِّي. قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَخْلاقًا طَاهِرَةً وَأَعْلامًا ظَاهِرَةً، لَا يَجْهَلُونَ بَعْدَ عِلْمٍ، وَلا يَسْفَهُونَ بَعْدَ حِلْمٍ، وَلا يَتَعَقَّبُونَ بَعْدَ عَفْوٍ، وَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاتِّبَاعِ سُنَنِ آبَائِهِ لأَنْتَ. قَالَ: صَدَقْتِ، نَحْنُ كَذَلِكِ، فَكَيْفَ قَوْلُكِ:

عَزَبَ الرُّقَادُ فَمُقْلَتِي لَا تَرْقُدُ ... وَاللَّيْلُ يَصْدَرُ بِالْهُمُومِ وَيُورِدُ

يَا آلَ مَذْحِجَ لَا مقَام فشمرا ... إِنَّ الْعَدُوَّ لآلِ أَحْمَدَ يَقْصِدُ

هَذَا عليٌّ كَالْهِلالِ تَحُفُّهُ ... وَسْطَ السَّمَاءِ مِنَ الْكَوَاكِبِ أَسْعُدُ

خَيْرُ الْخَلائِقِ وَابْنُ عمِّ محمّدٍ ... وَكَفَى بِذَلِكَ والعدوُّ يُهَدِّدُ

مَا زَالَ مُذْ عَرَفَ الْحُرُوبَ مظفَّراً ... وَالنَّصْرُ فَوْقَ لِوَائِهِ مَا يُفْقَدُ

قَالَتْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤمنِينَ، وَإِنَّا لنمطع بِكَ خَلَفًا. قَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ الْقَائِلَةُ:

إِمَّا هَلَكْتَ أَبَا الْحُسَيْنِ فَلَمْ تَزَلْ ... بالحقِّ تُعْرَفُ هادياً مهديّا

فَاذْهَبْ عَلَيْك السَّلَام ربِّك مَا دَعَتْ ... فَوْقَ الْغُصُونِ حمامةٌ قُمْرِيَّا

قَدْ كُنْتَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ خَلَفًا لَنَا ... أَوْصَى إِلَيْكَ بِنَا فَكُنْتَ وَفِيَّا

فَالْيَوْمَ لَا خلفٌ نُؤَمِّلُ بَعْدَهُ ... هَيْهَاتَ نَمْدَحُ بَعْدَهُ إِنْسِيَّا

قَالَتْ: يَا أَمِيرَ، لسانٌ نَطَقَ، وقولٌ صَدَقَ، وَلَئِنْ تَحَقَّقَ فِيكَ مَا ظَنَنَّا فَحَظُّكَ أَوْفَرُ، وَاللَّهِ مَا أَوْرَثَكَ الشَّنَاءَةَ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ إِلا هَؤُلاءِ، فَادْحَضْ مَقَالَتَهُمْ، وَأَبْعِدْ مَنْزِلَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ازْدَدْتَ بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ قُرْبًا، وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ حُبًّا. قَالَ: إِنَّكِ لَتَقُولِينَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ مُدِحَ بِبَاطِلٍ، وَلا اعْتُذِرَ إِلَيْهِ بِكَذِبٍ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ رَأْيِنَا وَضَمِيرِ قُلُوبِنَا.

كَانَ وَاللَّهِ عَلِيٌّ أحبَّ إِلَيْنَا مِنْكَ إِذْ كَانَ حَيًّا، وَأَنْتَ أحبُّ النَّاسِ إِلَيْنَا مِنْ غَيْرِكَ إِذْ أَنْتَ بَاقٍ. قَالَ: فَمن شَكْوَاكِ؟ قَالَتْ: مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ. قَالَ: وَبِمَ اسْتَحْقَقْتِ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا؟ قَالَتْ: بِحُسْنِ حِلْمِكَ، وَكَرَمِ عَفْوِكَ. قَالَ: وَإِنَّهُمَا لَيَطْمَعَانِ فِي ذَلِكَ؟ قَالَتْ: هُمَا وَاللَّهِ لَكَ مِنَ الرَّأْيِ عَلَى مِثْلِ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ لِعُثْمَانَ. قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَارَبْتِ فَمَا حَاجَتُكِ؟

<<  <   >  >>