للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اشتقاقها من ثلاثة أشياء. فالأول أن العتيق هي القديمة، كأنها سبقت وتقدمت على وجه الدهر، من قولهم عتقت الفرس أي سبقت. وقال أعرابي في نعت فرس:

هذا أوانُ عِتقةِ الشقراءِ

ويقال: فلان مِعتاق الوسيقة، إذا طرد طريدةً أنجاها، وسبق بها. قالت الخنساء:

حامي الحقيقةِ معتاقُ الوسيقةِ نس ... الُ الوديقةِ، جلدٌ غيرُ ثِنيانِ

والوجه الثاني أنها لرقتها سميت عتيقاً، من العتق وهو حسن الوجه ورقّته. وتقول العرب: عَتُقَ فلانٌ بعد استعلاجٍ، أي رقّ وجهه، وحسنت بشرته، وذهبت كدرته. قال أبو النجم:

وأرى البياضَ على النساءِ جهارةً ... والعِتقُ أعرفهُ على الأدماءِ

وقال لبيدٌ:

....... ... أو عاتقٍ كدمِ الذبيحِ مُدامِ

فهذا يريد بالعتق الحُسن لأنه شبهها في حمرتها بالدم الطري، والعاتق من القِدم، يضرب لونها إلى الصفرة، وتغلب الورسية عليها، وقد أحسن من قال في عتق الخمر:

له خلقٌ على الأيامِ يصفو ... كما رَقّتْ على الدهرِ العُقارُ

ويقال امرأة عاتقٌ أي بِكر، من العِتق بروعتها وجمالها.

وقال كثيّر:

أجني دماً يا أمَّ عمروٍ هرقتِه ... بكفِّكِ يومَ السترِ إذْ أنتِ عاتِقُ

والبيت العتيق فعيل بمعنى مُفعَل، أي أُعتِق من ملك الجبابرة. والثالث أنه فعيل بمعنى فاعل، أي عاتق الميلاد، متقادم الوجود. وقالوا: العتيق والعاتق التي لم يفض ختامها مشبهة بالعاتق من النساء وهي العذراء التي لم تمسّ.

[الراح]

اشتقاقها من ثلاثة أشياء: أحدها من ارتياح صاحبها، وما يجده في نفسه من هِزّة السرور، وخفة النشاط، وهي الأريحية. قال أبو عبادة:

وما باتَ مطويّاً على أريحيّةٍ ... بعِقبِ النّوى إلاّ امرؤٌ باتَ مُغْرَما

ويقال: فلان يَراح للمعروف إذا أخذته الأريحية، وأراح الرجل إذا رجعت إليه نفسه، وراحَ الشجر يَراح وتروَّح إذا انفطر بالورق. قال:

وأكرِمْ كريماً إنْ أتاكَ لحاجةٍ ... لعافيةٍ إنَّ العضاةَ تَروَّحُ

وقال:

ولستُ برهلٍ مثلَك احتلمتْ بهِ ... عَوانٌ نأتْ عن فحلِها وهي حاملُ

وقال طُفَيل:

وخادعَ المجدَ أقوامٌ لهمْ شرفٌ ... راحَ العضاةه بهم والعرقُ مدخولُ

ومثله قول زفر بن الحارث:

وقد ينبتُ المرعى على دِمنِ الثّرى ... وتبقى حَزازتُ النفوسِ كما هيا

ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم وخضراءَ الدمن ". وفي المثل: " الحنظلة خضرٌ أوراقها، مرّ مذاقها ". وفي الحديث: " لم يُرح رائحةَ الجنة " أي يجد ريحها. قال الكسائي: هو من أرحتُ. وقال غيره: لم يَرَحْ من راحَ يَراحُ إذا وجد الريح. ويقال: أتانا وما في وجهه رائحة دم. وهو من قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

فقامتْ كئيباً ليسَ في وجهِها دمٌ ... من الحزنِ تُذري عبرةً تتَحدرُ

هذا في الحزين، وقد يصفون بذلك القتيل. قال زهير:

التاركُ القرنَ مصفرّاً أناملُه ... يميدُ في الرمحِ ميدَ المائحِ الأسِنِ

وقال خداشُ بن زهير:

قد أتركُ القرنَ مصفرّاً أناملُهُ ... كأنما قد كساهُ اللونَ جاديُّ

وقال ابن خطّار بضده:

همْ يضربونَ الكبشَ يبرقُ وجههُ ... على صدرِه من الدماءِ سبائبُ

والوجه الثاني أنها سميت راحاً من طيب الرائحة. يقال روّحت الشي، ودهنٌ مُرَوَّح أي مطيّب. وفي الحديث أنه أمر بالإثمد المروَّح أي المطيّب. وقال أبو زيدٍ: أرْوَحَني الصيد إرواحاً، وأنشاني إنشاء إذا وجد ريحَك ونشرك. ويوم راحٌ شديد الريح، ويوم طيب الريح. والوجه الثالث: سميت راحاً لشدتها وقوتها وسورة حميّاها، من قولهم أقرحُ راحٌ أي حصانٌ ذكرٌ. والراح تحصُّن الفرس واشتداده، والراحة العشية الشديدة الريح. والراحة بطن الكف. وتشبيه ذي الرمة بهذا جيد حيث قال:

ودوٍّ ككفِّ المُشتري غيرَ أنّهُ ... بساطٌ لأخماسِ المراسيلِ واسعُ

شبهها في انخراقها بكف المشتري لأنه يبسطها للصفقة. وقول جرير:

ألستُم خيرَ منْ ركبَ المطايا ... وأندى العالمينَ بطونَ راحِ

الواهب يعطي ببطن كفه ويرد بظهرها. وألفه ألف تقرير لا استفهام ليصح المدح. وقد أجاد إبراهيم بن العباس الكاتب في نعت بطنها وظهرها:

<<  <   >  >>