للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالريحُ رِيحُ الذكيّ الأذفرِ الداري ... والبردُ بردُ الثَّرى واللونُ للنارِ

المتنبي:

سُهادٌ لأجفانٍ وشمسٌ لناظرٍ ... وسُقمٌ لأبدانٍ ومِسكٌ لناشِقِ

أبو نواس:

نحنُ نُخفيها فيأبى ... طيبُ ريحٍ فيفوحُ

فكأنَّ القومَ نُهبى ... بينهمْ مِسكٌ يفوحُ

البحتري:

ولها نسيمٌ كالرياضِ تنفَّسَتْ ... في أوجهِ الأرواحِ والأنداءِ

وفواقعٌ مثلُ الدموعِ تردّدتْ ... في صحنِ خدِّ الكاعبِ العذراءِ

الخليع:

سلَبْنا غطاءَ الطينِ عنها بسُحرةٍ ... فضاعَتْ بمسكٍ في الخياشمِ ساطعِ

وسلَّسها الحانيُّ في الكأسِ فانجلَتْ ... بلونٍ كلونِ التِّبرِ أصفرَ فاقعِ

[الباب التاسع]

[مزجها والحباب]

ابن المعتز:

فلمّا صبَّها في الكأسِ سارَتْ ... كما سارَ الشجاعُ إلى الجبانِ

وقدْ لبسَتْ خِماراً من حُبابٍ ... كَسِلْخِ الأَيْمِ أو دُرِّ الجُمانِ

فخِلتُ الكأسَ مركزَ أُقحوانٍ ... وتُربتُهُ سحيقَ الزعفرانِ

الثرواني:

خَليليَّ مِن تَيْمٍ وعِجلٍ هُدِيْتُما ... أضيفا بحثِّ الكأسِ يومي إلى أمْسي

وإن أنتما حَييّتُماني تحيةً ... فلا تعدوا ريحانَ قَلاّيةِ القَسِّ

وبالسوسنِ الآزاذِ فالوردِ فارِميا ... بنِسرَينكُمْ في الشرق أو مغربِ الشمسِ

وإن قُلتما لا بدَّ من شُربِ دائرٍ ... ولم تَعداني في مِطالٍ ولا حبْسِ

فمِنْ قهوةٍ حيريّةٍ جابريّةٍ ... عتيقةِ خَمسٍ أو تزيدُ على خمسِ

ذخيرةِ فيروزٍ ليومِ صَبوحِهِ ... ونَيروزِهِ في خيرِ أشربةِ الفُرسِ

تجرُّ على قَرعِ المزاجِ إزارَها ... وتختالُ منه في مُصبّغةِ الورسِ

أنشد:

ماشِلةٌ في قميصِ تِبرٍ ... للدرِّ من فوقِها خِمارُ

ياقوتةٌ حفَّها شعاعٌ ... وجذوةٌ شابَها شرارُ

أحمد بن أبي فنن:

أستلُّ منْ تحتِ الزبَدْ ... مُدامةً مثل الوقَدْ

أطيبَ في الكأسِ إذا ... جاءتك منْ ريحِ الولَدْ

عدي بن زيد:

باكَرَتْهُنَّ قَرقَفٌ كدمِ الجوْ ... فِ تُريكَ القَذى، كُميتٌ رحيقُ

ثم نادتْ ألا اصبحوني فقامت ... قَينةٌ في يمينها إبريقُ

قدمتْهُ على عُقارٍ كَعينِ الدّ ... يكِ صَفّى سُلافَها الراووق

مُزّةٌ قبل مزجِها فإذا ما ... مُزجتْ لذَّ طعمَها من يذوقُ

فطفا فوقَها فقاقيعُ كاليا ... قوتِ حمرٌ يزينُها التصفيقُ

ثم كان المِزاجُ ماءَ سحابٍ ... لا جَوٍ آجنٌ ولا مَطروقُ

والشعراءُ يمدحون ماء المطر للمزاج، ويصفونه بالصفاء والرقة، والخصر والشيم، وأنه عذب نمير، قد فصّلته الشمال، فأعلاه سلسال، وظاهره رقراق، وقراره حصباء ورضراض، وأن موقعه على صَمّانة رصَف، ومصابه في قَلْتٍ على سفح جبل، أو نُقرة في طود شاهق، وبين ألواذ الهضاب في عجمة الرمل، ومحاني المذانب، وأهضام الأوداء وبطون الشعاب، وأجواف الغُدران، وأنه غريضٌ استدرّته الريح، ومرَتْه الصبا عن متون الغوادي الغر، وفَضيض من صوب السواري السود، وقد نسجتها الزعازع، وصفّقتها العواصف، فسلسلت أجزاءه، وجابت غثاءه وأقذاءه، وأن مستنقعه ثنيّة قذفٌ، وأرض مَجْهَل، ومرْتٌ مُضلّة، حيث لا يرى القائف عيناً ولا أثراً، ومَصاد رعْن، لا تحوم عليه الفُتخُ، ولا تخوضه الأكرع، ولا تُصدّيه الأنفاس بسر غير مطروق، ونطفة زرقاء، وجمّة سجراء.

كما سمعت زهيراً يقول:

شجَّ السقاةُ على ناجودِها شبماً ... من ماءِ لينةَ لا طَرْقاً ولا رَنَقا

وقال مسلم:

وماءٍ كعينِ الديكِ لا يقبلُ القذى ... إذا درجتْ فيه الصبا خِلتَهُ يعلو

قصرْنا به باعَ الشَّمولِ وقد طفتْ ... فألبسَها حِلماً وفي حلمِها جهلُ

ويشبهون به ريق الأحبة، وأنّ مشربه خَصِر، ومسقاه شَبِم، وملثَمه عذب، وأنه بارد المقبَّل، لذيذ المكرع، طيب المراشف، كقول البولاني:

فما نطفةٌ من حَبِّ مُزنٍ تقاذفَتْ ... به حَسَنَ الجوديِّ والليلُ دامسُ

فلما أقرّتْهُ اللصابُ تنفّستْ ... شمالٌ لأعلى مَتنِهِ فهو قارسُ

<<  <   >  >>