للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالوا: السكران مغلوب على عقله، لا يُحمد على بذله، ولا يُذم على منعه، كالبهيمة لا تُمدح بحسنة تأتيها، ولا تُذم بسيئة تجنيها.

وفضلوا عليه قول عنترة:

فإذا شربْتُ فإنّني مُستهلِكٌ ... مالي وعِرضي وافرٌ لم يُكْلَمِ

وإذا صحوتُ فما أقصّر عن ندى ... وكما علمتِ شمائلي وتكرُّمي

وتبعه في صوابه أبو عبد الله فقال:

وما زلتُ خِلاًّ للندامى إذا انتشَوا ... وراحوا بُدوراً يستحثّونَ أنجُما

تكرّمتُ من قبلِ الكؤوسِ عليهمُ ... فما اسطَعْنَ أنْ يُحدِثْنَ فيكَ تكرُّما

وتلاه المتنبي فقال:

تُصاحبُ الراحَ أريحيّتُهُ ... فتسقطُ دونَ أدناها

لا تجدُ الخمرُ في مكارمِهِ ... إذا انتشى خِلّةً تَلافاها

أبو أسود الشيباني:

ألا قامَ يلحاني بليلٍ عواذلي ... ويزعُمنْ أنْ أودى بحقي باطلي

فمنْ ذا يرى يوماً من السُّكرِ مائلاً ... يرى اللهوَ مجموعاً له في شمائلي

بشار:

اسقِني في اللُّجينِ من حلَبِ الكرْ ... مِ وفي العَسْجديِّ كأسَ المجوسِ

قدْ صَغا النجمُ للهبوطِ وقدْ ... حانتْ صلاةُ الرهبانِ والقِسّيسِ

هاتِها كالشُّواظِ تجمحُ في الرأ ... سِ جِماحَ الحصانِ غيرِ الشَّموسِ

[الباب السابع والعشرون في]

[التداوي بالخمر من الخمار]

الأعشى:

وكأسٍ شربْتُ على لذّةٍ ... وأخرى تداويْتُ منها بها

لكيْ يعلمَ الناسُ أنّي امرؤٌ ... أتيتُ المعيشةَ من بابِها

هذا الشعر من الكلام الذي لفظه طبقٌ على معناه، لا قاصر عنه، ولا زائد عليه.

محمد بن أبي أمية:

حدّثَتْ عن تغيُّري الأترابا ... ومشيبي فقُلنَ: باللهِ شابا

نظرَتْ نظرةً إليَّ وصدّتْ ... كصدودِ المخمورِ شَمَّ الشرابا

المجنون:

تداويتُ من ليلى بليلى منَ الهوى ... كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ

هيَ البدرُ حُسناً، والنساءُ كواكبٌ ... فشَتّانَ ما بينَ الكواكبِ والبدرِ

وأخذه أبو عبادة فأساء العبارة وأساء المعنى فقال:

تداويتُ من ليلى بليلى فما اشتفى ... بماء الرُّبا مَن ظلَّ بالماءِ يشرَقُ

إلا أنه عفى عليه بإحسانه في قوله يريد هذا المعنى:

هوىً أُعفّي على آثارِهِ بهوىً ... كمُطفئٍ من لهيبِ النارِ بالنارِ

وهذا قد سبقه إليه دِعبلٌ في قوله:

ولمّا أبى إلاّ جِماحاً فؤادُهُ ... ولم يَسْلُ عنْ ليلى بمالٍ ولا أهْلِ

تسلّى بأخرى غيرِها فإذا التي ... تسلّى بها تُغري بليلى ولا تُسلي

وتقدمه أبو العتاهية فقال:

كم عائبٍ لكِ لم أسمعْ مقالتَهُ ... ولمْ يزدْكِ لدينا غيرَ تحسينِ

كأنَّ عائبَكُمْ يُبدي محاسنَكمْ ... عندي ويمدحُكمْ جهراً فيُغريني

ما فوقَ حُبّيكِ حُبٌّ حيثُ أعلمُهُ ... فما يضرُّكِ ألاّ تستزيديني

وقال أبو نواس:

ما حطَّكَ الواشونَ عن رُنةٍ ... عندي ولا ضرَّكَ مُغتابُ

كأنّهم أثنَوا ولمْ يعلموا ... عليكَ عندي بالذي عابُوا

وقال عروة:

كأنّما عائبُها عامداً ... زيَّنها عندي بتزيين

قال ابن ميادة:

وإذا الواشي بها يوماً وشى ... نفعَ الواشي بما كان يَضُرْ

وأخذه إبراهيم بن العباس فطرَّده إلى غير معنى الحب فقال:

وإنّي وإعدادي لدهري محمداً ... كمُلتمسٍ إطفاءَ نارٍ بنافخِ

وقال محمد بن حازم الباهلي:

وكمْ تلهَّى بهوى غيرِهِ ... قلبي فأغراهُ ولمْ يُلهِهِ

والمعنى الواحد إذا تعاورته الألسنة، وتداولته القرائح، واستعملته الطباع صفا جوهره، وخلص رونقه، وجاد سبكه، وحسن نحته.

أبو نواس:

دعْ عنكَ لَومي فإنَّ اللَّومَ إغراءُ ... ودواني بالتي كانتْ هيَ الداءُ

صفراءُ لا تنزلُ الأحزانُ ساحتَها ... لوْ مسَّها حجرٌ مستْهُ سَرّاءُ

ابن المعذّل:

وصفراءَ من لذّةِ الشاربينَ ... يُطيّبُ عيشي بها خفضُها

سماءُ مزاجٍ همتْ فضةً ... ومن ذهَبٍ خالصٍ أرضُها

أزحْتُ خُماري بها إنّها ... هي السمُّ تِرياقُها بعضُها

العطوي:

وندمانِ صدقٍ أدرْتُ الكؤوسَ ... على رأسِهِ جهرةً فاستدارا

<<  <   >  >>