للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفوائد والعظات والعبر في المقطع الثالث]

١- في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} .

بيان لحشرهم مجردين عن الثياب والمال والأعوان، وفي ذلك ترسيخ لحقيقة وردت في المقطع السابق وهي أن زينة الحياة الدنيا تذهب مع الحياة الدنيا، لأنها لم ترتبط بقيم باقية خالدة "ذكر الله وما والاه".

٢- أسلوب الالتفات من الأساليب البلاغية العريقة في البيان القرآني لإعطاء كل مقام ما يناسبه من أفانين القول.

فلما كان الحديث عن القدرة والعظمة جاء التعبير بإسناد الأفعال إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه "نسير، وحشرناهم، فلم نغادر، جئتمونا، خلقناكم، نجعل، وجعلنا وصرفنا، نرسل، أهلكناهم".

ولما كان الكلام عن الوحدانية والتفرد بالخلق والتدبير ونفي الشركاء، جاء التعبير بضمير المتكلم المفرد "أولياء من دوني، ما أشهدتهم، وما كانت، واتخذوا آياتي".

وعندما يكون الحديث عن الخالق المنعم الرحيم بعباده على الرغم من كفرانهم للنعمة وعدم قيامهم بواجب الشكر، يأتي التعبير بإسناد الأفعال إلى الاسم الظاهر، وخاصة إلى "الرب".

"وعرضوا على ربك صفًا، ولا يظلم ربك أحدًا، ففسق عن أمر ربه، ويستغفروا ربهم، ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه، وربك الغفور ذو الرحمة".

وكذلك في أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الحضور والعكس.

٣- في قوله تعالى عن إبليس: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} وفي آبة البقرة {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٣٤] . وفي آية الأعراف {إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١١، ١٢] .

في هذه الآيات وغيرها بيان لعلة انحراف إبليس وهي "الكبر" وذلك لنظرته الخاطئة للقيم -قال: خلقتني من نار وخلقته من طين- لقد نظر إلى الصنعة فاعترض من خلالها على الصانع، وتمرد على أمره.

قال العلماء: من كانت خطيئته في كبر لم يكن صلاحه مرجوًا، ومن كانت خطيئته في معصية كان صلاحه مرجوًا١.

٤- كل الولاءات والصلات والأنساب والقرابات مبتورة مقطوعة إلا الموصول بالإيمان بالله ورسوله وشرائعه.


١ انظر: تفسير ابن كثير: ٣/ ٨٩، ونظم الدرر للبقاعي: ١٢/ ٧٦.

<<  <   >  >>