للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة]

[مدخل]

...

[الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة]

بعد ذاك الحوار المعبر ذي المغزى، انطلق الركب الكريم١، واقتصر النص القرآني على الأحداث ذات الشأن في هذه الرحلة -كما هو الحال في شأن القصص القرآني- ولم يحدد الاتجاه والمقصد، وكأنها رحلة مطلقة متروكة لمجريات الأحداث، ليكون الموقف المناسب تجاه الحدث الطارئ، هذا ما يبدو في الظاهر، أما في علم الغيب فلا صدفة ولا مفاجأة، بل الأمور تجري حسب تقدير العزيز العليم بها.

ويمر الركب على مساكين يعملون في البحر، على سفينة لهم، ينقلون الناس من ساحر البحر إلى آخر، لقاء أجر معلوم، فيعرفون الرجل الصالح فيحملونه وصاحبه من غير أجر تكريمًا وتقديرًا،

فلا يلبث الخضر أن ينزوي إلى طرف من السفينة ليقلع لوحًا من خشبها، ويوتد مكان الخرق وتدًا ليحد من تسرف الماء إليها، ولا يملك موسى نفسه من الغضب والانفعال تجاه هذا التصرف، كيف يقابل إحسان القوم بمثل هذا التصرف؟! ثم بأي وجه حق يعتدي على مالهم بالإتلاف؟! وكونهم مساكين تستدر حالهم العطف وتثير الشفقة عليهم.

ومن شأن هذا الخرق أن يغرق ركاب السفينة الأبرياء، فما وجه المشروعية في كل ذلك؟! {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} إن هذا العمل بالمقاييس الظاهرة وما يحتمل أن يترتب عليه من المهالك أمر عظيم ولا شك.

ولكن الرجل الصالح ينظر إلى المسألة من زاوية أخرى، بناء على الحكمة العليا والمصلحة الآجلة، وتطبيقًا للقاعدة الشرعية المتفق عليها بين العلماء الربانيين "يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأقوى" فيذكر موسى عليه السلام {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} . وتهدأ نفس موسى عليه السلام ويذكر العهد الذي قطعه على نفسه بعدم الاعتراض والاستفسار، حتى يكون الخضر هو البادئ بالتوضيح والبيان، وتطمئن نفسه إلى أن صاحبه ليس كسائر الأصحاب، وإنما هو رجل رباني على جانب من العلم لا يعمله موسى.


١ أسدل الستار على فتى موسى من وقت اللقاء، وسيقت القصة بأسلوب المثنى مما يدل على أنه لم يكن مع موسى والرجل الصالح أثناء الرحلة، وأغلب الظن أن موسى أمره بالعودة إلى موطنه، لأن مدة الرحلة لم تكن معلومة لديه، ولعل عدم ذكر موسى له عند اللقاء بالرجل الصالح أمارة على أن الأمر كله من الأسرار الربانية بين موسى وربه عز وجل.

<<  <   >  >>