للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الوقفة الثانية: مع السد وموقعه]

اختلف المفسرون في موقع السد الذي بناه ذو القرنين كاختلافهم في شخصه فذهب بعضهم إلى أنه سد مأرب وآخرون إلى أنه سور الصين إلى غير ذلك، ولو وضعنا أيضًا المعالم التي وضعها القرآن الكريم بين أيدنا لأمكننا التعرف على السد فما ذكره القرآن الكريم:

- أنه سد أقيم بن جبلين متقابلين -صدفين.

- أن تكوينه من الحديد المطعم بالنحاس المذاب.

- أن الغاية من إقامته حماية من دونه من هجمات الأعداء.

وهذا ما فعله أبو الكلام آزاد حينما خطأ القائلين بأنه سد مأرب لأنه سد من حجارة وتراب والهدف منه زراعي لحجز مياه السيول خلفه وتنظيم توزيعه لري الأرض.

وكذلك خطأ من قال إنه سور الصين الذي يمتد "٢٤٠٠" كيلو مترًا فوق السهول والوديان والتلال.

والذي وصل إليه أنه السد المقام على مضيق داريال في جبال القوقاز فإن سلسلة جبال القوقاز الرهيبة تمتد من بحر قزوين شرقًا إلى البحر الأسود غربًا بطول ألف ومائتي كيلومتر ولا يوجد ممر بين السلسلة الشاهقة سوى ممر ضيق يسمى مضيق "داريال" ولا يزد عرض هذا المضيق عن مائة متر تقريبًا، وفي هذا المضيق حاجز حديدي تنطبق عليه جميع أوصاف سد ذي القرنين، وهو يقع الآن في جمهورة جورجيا السوفياتية.

وقد كان الموقع التقريبي لسد ذي القرنين معلومًا لدى بعض المفسرين، فالقرطبي يقول في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان١، كما أشار ابن كثير٢ إلى بعثه الواثق لاكتشاف حال السد. وقد ذكر ابن خردازبه في كتاب "المسالك والممالك"٣ أن الخليفة الواثق العباسي -المتوفى سنة ٢٣٢هـ- كان رأى في منامه كأن ردم يأجوج ومأجوج قد فتح، فكلف "سلام الترجمان" باستطلاع السد، وزوده بالطعام والمال


١ انظر تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٥٥.
٢ تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٤.
٣ كتاب المسالك والممالك لأبي القاسم عبد الله بن عبد الله المعروف بابن خردازبه المتوفى في حدود سنة ٣٠٠هـ. ط. مكتبة المثنى ببغداد. نقلًا عن كتاب "ذي القرنين" لمحمد خير يوسف.

<<  <   >  >>