للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النهر المنتظم الفيضان كل عام من الجنوب إلى الشمال، وهذه الظروف جميعها أتاحت للجماعات التي عاشت على جانبي النهر سهولة التجوال فيه، شمالًا بمساعدة تياره وجنوبًا بمساعدة الرياح السائدة؛ فاحتكمت بعضها بالبعض ونشأت بينها مصالح مشتركة؛ وخاصة لأن فيضان النهر السنوي المعتاد غالبًا ما كان خيرًا مشتركًا يتعاون الجميع في الإفادة منه, ونادرًا ما كان خطرًا مشتركًا يعمل الجميع على مجابهته سواء في حال انخفاضه أو ارتفاعه عن المستوى الملائم لسد حاجياتهم، وقد يحدث النزاع بين تلك الجماعات أحيانًا فتعمل القوية منها على السيطرة على غيرها من الجماعات, وهكذا إلى أن انتهى الأمر بتوحيدها في مملكتين: إحداهما في الدلتا, والأخرى في الوجه القبلي, ما لبثتا في النهاية أن توحدتا في مملكة واحدة، ومع أن كلًّا من قسمي مصر الجنوبي "الوجه القبلي" والشمالي "الدلتا" انفرد ببعض مظاهر خاصة في حضارات ما قبل العصر التاريخي إلا أن هذه الحضارات كانت تشترك في طابعها العام ومميزاتها الرئيسية.

ومن المرجح أن توحيد مصر في مملكة واحدة سبق أي قطر آخر من إقليم الشرق الأدنى, وأنه لم يتم بمساعدة أية قوى خارجية, وقد أدى ذلك لأن تصبح مصر في أقدم عصورها التاريخية أقوى أقطار الشرق الأدنى ومن أكثرها نهوضًا ورقيًّا, وسنتناول فيما يلي تاريخها وحضارتها بصفة عامة.

<<  <   >  >>