للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمطارًا وأكثر جفافًا من فترة الحضارة الموستيرية؛ فانخفض مستوى الماء في الأنهار والمجاري المائية وقلت الحياة النباتية وتبدلت أنواع الحيوانات في مساحات واسعة من العالم القديم وأخذ الإنسان في هجرها؛ إذ رأى أنها تتحول إلى صحارى مجدبة فحصر إقامته في الأماكن القريبة من مجاري المياه، ولم يترك إنسان إفريقيا في هذا الدور آثارًا تعادل في مستواها من الناحية الفنية تلك التي تركها زميله المعاصر له في أوروبا, ولم تتعدد مظاهر حضاراته في المناطق المختلفة التي وجدت بها كما حدث في أوروبا؛ بل سادت كل شمال أفريقيا حضارة واحدة هي الحضارة القفصية "نسبة إلى قفصة في شمال تونس" التي استمرت إلى ما بعد الدور الحجري القديم الأعلى, أي: إلى ما يقابل الدور الحجري المتوسط؛ إلا أن مصر -نظرًا لظروف بيئتها الخاصة- انفردت في حضارتها بمظاهر مميزة؛ مما دعا إلى تسميتها باسم "الحضارة السبيلية" وإن كانت في واقع الأمر متفرعة عن الحضارة القفصية. ويرى البعض أن الحضارة القفصية قد مرت بأربع مراحل تتفق الثلاثة الأولى منها وأقسام الدور الحجري القديم الأعلى, أما المرحلة الرابعة والأخيرة؛ فقد عبروا عنها باسم مرحلة الانتقال إلى الدور الحجري الحديث, أي: أنها تتفق والدور الحجري المتوسط. كما يرى البعض تقسيم الحضارة السبيلية في مصر إلى ثلاث مراحل تقابل حضارات الدور الحجري القديم الأعلى والدور الحجري المتوسط في أوروبا, أي: أن المرحلة الأخيرة منها تمتد إلى ما يقابل الدور الحجري المتوسط، ومهما كان الأمر فإن الآلات التي اتخذت في هذه الحضارة كانت صغيرة على العموم, وتغلب فيها الأشكال الهندسية "شكل٩"، ولدقة هذه الآلات أطلق عليها اسم الآلات الميكروليثية "Microlithie", وقد كشف عن عدة مواقع تنتمي إلى هذه الحضارة في مصر, ومن أهمها قرية السبيل التي نسبت إليها هذه الحضارة كما سبقت الإشارة إلى ذلك١.


١ انظر أعلاه ص٥٥.

<<  <   >  >>