للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الاختلاف بين البصريين والكوفيين]

[أسبابه]

إقليم العراق العربي من أسبق الأقاليم مدنية وعمرانا لخصب تربته ووفرة مياهه واعتدال جوه، تعاقبت عليه قدما متحضروا الأمم من البابليين والأشوريين والفرس، كما انحدر إليه العرب من بكر وربيعة وكانت منهم إمارة المناذرة بالحيرة، ولما أشرقت عليه شمس الإسلام في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أنشأ فيه المسلمون البصرة سنة ١٥. ثم الكوفة بعدها بستة أشهر على أصح الروايات، وسرعان ما ازدهر البلدان وتحولت إليهما حضارة بابل والحيرة وهوت إليهما أفئدة من المسلمين وزخرا بالعلماء والقواد وتقاسما مدنية العراق، حتى كان إذا قيل العراق فمعناه البصرة والكوفة، وكانوا يطلقون أحيانا عليهما العراقين.

ومع أن البلدين يضمهما سياج العراق فقد غرست النزعة السياسية بينهما بذرة الضغن لما هبط علي كرم الله وجهه الكوفة واتخذها مقر خلافته وقدمت أم المؤمنين عائشة البصرة على رأس جيش فيه طلحة والزبير طلبا لثأر عثمان -رضى الله عنه- فكانت موقعة "الجمل" المعروفة بينهما موقعة بين البلدين١ ولعل السر في مجاوزة الإمام علي البصرة مع أنها على حرف البادية وتكبده مشاق السفر إلى الكوفة مع توغلها في العراق ما عرف عن الكوفة من ميل أهلها إلى الطاعة ديانة دون البصرة التي اشتهر أهلها بالعصيان والشقاق والعصبية، ولكثرة اليمنيين بها المخلصين للهاشميين المصدورين من القرشيين، ومن حين هذه الموقعة اختلف هواهما فالبصرة عثمانية والكوفة علوية، وازداد هذا الاختلاف بتعاقب الأيام، قال أعشى همدان -عبد الرحمن- على لسان الكوفة:

فإذا فاخرتمونا فاذكروا ... ما فعلنا بكم يوم الجمل٢


١ قال البلاذري: التقوا بمكان يقال له "الخريبة" في جمادى الأولى سنة ٣٦ وفيها قتل طلحة والزبير رضى الله عنهما.
٢ البيت من قصيدة له راجع الأغاني أخبار أعشى همدان جـ٦ ص٥٥.

<<  <   >  >>