للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[متى وأين كان وضعه]

عرفت مما سلف أن وضعه في الصدر الأول للإسلام، لأن علم النحو ككل قانون تتطلبه الحوادث، وتقتضيه الحاجات، ولم يك قبل الإسلام ما يحمل العرب على النظر إليه فإنهم في جاهليتهم غنيون عن تعرفه لأنهم كانوا ينطقون عن سليقة جبلوا عليها، فيتكلمون في شؤونهم دون تعمل فكر أو رعاية إلى قانون كلامي يخضعون له، قانونهم: ملكتهم التى خلقت فيهم، ومعلمهم: بيئتهم المحيطة بهم بخلافهم بعد الإسلام إذ تأشبوا١ بالفرس والروم والنبط٢ وغيرهم، فحل بلغتهم ما هول الغير عليها وعلى الدين، حتى هرعوا إلى وضع النحو كما تقدم.

وهذا هو التحقيق الذي عول عليه الجمهور، فقد زعم بعض العلماء أن العرب كانوا يتأملون مواقع الكلام، وأن كلامهم ليس استرسالا ولا ترجيما بل كان عن خبرة بقانون العربية، فالنحو قديم فيهم أبلته الأيام، ثم جدده الإسلام على يد أبي الأسود الدؤلي بإرشاد الإمام علي كرم الله وجهه ومن هؤلاء أحمد بن فارس في أوائل كتابه "الصاحبي"٣، بل غلا غلوا شديدا إذ نسب للعرب العاربة معرفتهم بمصطلحات النحو بتوقيف من قبلهم حتى انتهى الأمر إلى الموقف الأول هو الله عز وجل الذي علم آدم الأسماء كلها.


١ اختلطوا أو اجتمعوا.
٢ النبط بفتحتين: جيل ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم والجمع أنباط كأسباب، الواحد نباطي مثلثة النون ونباط كثمان ونبطي، وتنبط تشبه بهم أو تنسب إليهم.
٣ باب القول على الخط العربي ص٧.

<<  <   >  >>